فوضى أمريكية بأياد عربية..... بقلم: محمد الهادي الحيدري
في افريل 2005 خرجت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها لتبشر العالم العربي والاسلامي بنظرية الفوضى الخلاقة ( Creative Chaos) لتغيير الشرق الاوسط ....
وقالت حينها «ان كل مخاض لابد له من دماء»، والفوضى الخلاقة مصطلح تقوم عليه عقيدة المحافظين الجدد في أمريكا، وتعتمد هذه العقيدة أساسا على ايجاد أرضية ملائمة لانتشار الفوضى، وذلك اعتمادا على تغذية الصراعات الاثنية والطائفية والمذهبية وكسر التعايش الأهلي والسلمي لدول تشكل هذه المكونات نسيجها الاجتماعي، فبادرت واشنطن أولا وقبل طرح نظرية الفوضى الخلاقة بتدمير العراق سنة 2003 واعدام الرئيس العراقي صدام حسين لاحقا وتغليب كفّة الشيعة على السنّة, واحداث شرخ بين طوائفه، ولتحقيق ذلك بحثت عن ادوات لتنفيذ هذا المخطط، فتغوّلت المليشيات الطائفية وغرق العراق منذ الاطاحة بنظام صدام حسين في الفوضى وفي حمام دم فقتل من قتل وهجّر من هجّر الى أن جاء «الدواعش».. ولهؤلاء ولنشأتهم قصّة أخرى لم تكن حتما بمعزل عن الفوضى «الخلاقة» فهم وبإعتراف هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «صناعة أمريكية».
ذهبت رايس وادارة بوش برمتها وبقي قطار الفوضى الخلاقة على سكته متنقلا من محطة الى اخرى فكانت مصر –قلب الشرق الأوسط – هدفا تاليا وكانت واشنطن تدرك أن إحداث تغيير في مصر سيكون بوابة انتشار الفوضى في المنطقة ,..قامت ثورة شعبية أطاحت بنظام مبارك ولم يكن لــ «الاخوان» يد فيها ولكن «الاخوان» سادوا وتحالفت معهم أمريكا – بإعتراف هيلاري كلينتون في كتابها «خيارات صعبة»- .. راهنت على من كانت تعتبرهم «اعداء» لكن سيطرة الجيش على السلطة واطاحته بحكم «الاخوان» قلب كل الحسابات الأمريكية رأسا على عقب – وهذا بإعتراف كلينتون أيضا -. ليبيا أيضا كانت محطة أخرى وطأها قطار الفوضى الأمريكية، سقط نظام القذافي وبعده سقطت أحلام «الثوار» فكان الاقتتال بين رفقاء السلاح الذين تحالفوا – رغم اختلاف ايديولوجياتهم - لإسقاط القذافي .. وتحولت الساحة الليبية الى ساحة حرب وتصفية حسابات والى معسكرات تدريب للمتشدّدين ومركزا لتجميع «الجهاديين» لتسفيرهم للقتال في سوريا. وكانت دمشق أيضا محطة أخرى لفوضى رايس, دون تدخل عسكري مكلف, ودون أن تطأها أقدام «المارينز»، وطأتها أقدام «الجهاديين»، فمزقها اقتتال المسلمين، وفي مشهد درامي اختلط فيه الحق بالباطل أصبحت حرب الكل ضد الكل بدعم من واشنطن ومن دول خليجية بالمال والسلاح..اشتعلت حرب بين «داعش» من جهة و«جبهة النصرة» و«الجيش السوري الحر» من جهة أخرى واشتعلت في هذه البلدة أو تلك حرب بين فصائل اسلامية بعضها ينحر بعضا، .. فكانت حربا وقودها الشعب السوري... حرب تطايرت شظاياها الى لبنان الذي لم تندمل جراحه بعد سنوات من الحرب الأهلية، لبنان الذي أعاده اتفاق الطائف الى التعايش الأهلي بين"السنة والشيعة والمسيحيين "أصبح اليوم مرشّحا أكثر من ذي قبل الى حرب طائفية قد تعيده الى سنوات الاقتتال والتهجير، توقف قطار الفوضى الأمريكية في البقاع وبيروت والضاحية الجنوبية وعلى تخومه في عرسال على الحدود السورية، تفجيرات هنا وهناك واقتتال طائفي ، واقتتال بين الجيش ومسلحين متطرفين على الحدود مع سوريا، في وقت تنذر فيه التوترات الشديدة بين «حزب الله» وقوى «14 آذار» بتفجر الوضع . توقف قطار الفوضى الأمريكية في لبنان على أن يستأنف مسيره – ربما الى ايران أو غيرها – لتعيد واشنطن رسم خارطة المنطقة واعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزإ .. تسير فوضاها على طريق عبّدها عرب مسلمون.. تقتل العرب والمسلمين بأيادي مسلمين، أغرقتهم في الفوضى لينشغلوا بإقتتالهم وفوضاهم وحساباتهم الايديولوجية والسياسية، جمّعت الاسلاميين المتشدّدين ممن كانوا يتبنون فكر «قاعدة بن لادن والظواهري»، القائم على قتال أمريكا وضرب مصالحها في كل مكان، ليقتلوا ويقتتلوا في ما بينهم، فيقتل من يقتل ومن ينجو يسهل اصطياده كما جرى مع أبو أنس الليبي وأبو ختالة في ليبيا. فوضى «خلاقة» بدماء العرب والمسلمين تخدم حاليا أمريكا واسرائيل .. وتزيد العرب والمسلمين وهنا على وهن..لكن السيف قد يرتد لنحر صاحبه.. ولواشنطن سوابق في هذا الشأن فقد صنعت بن لادن ليحارب السوفيات.. فتحول عدوا شرسا ألحق تنظيمه بواشنطن خسائر في الأرواح والعتاد.. والدائرة على من تدور.
الحدث
التاريخ - 2014-08-08 8:38 PM المشاهدات 1628
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا