شبكة سورية الحدث


روح جديدة في شراكة لبنان وأوروبا: عودة آمنة للاجئي سوريا وإغراء اقتصادي

المعادلة المكرّسة بدت مقلوبة: إنها من المرّات النادرة التي يفاوض فيها لبنان الأوروبيين من موقع قوة، ليجلس إلى الطاولة موقناً أنهم بحاجته الآن أكثر مما يحتاجهم. يضعون مطالبهم الملحّة، يضع مطالبه واشتراطاته، فتكون النتيجة تسوية تميل كفّتها بوضوح لصالحه. المفارقة أن هذه القوة ليس مصدرها سوى الهشاشة، أما ورقة تفعيلها فكانت من الطينة ذاتها، باعتبار أن المتغيّر الوحيد في المعادلة هو وجود اللاجئين السوريين.الآن أتمّ لبنان والأوروبيون صفقة تُمثّل بوصلة جديدة لاتفاقية الشراكة بينهما. أشهر من المفاوضات انتهت بوثيقة تحدّد أولويات جديدة لتلك الشراكة، أُلحق بها «ميثاق الهجرة»، كما يسمّيه الأوروبيون، ليتضمن شروط المقايضة بين استبقاء اللاجئين، بمعنى منعهم من التوجه لأوروبا، مقابل مروحة من المساعدات والدعم.تفاصيل الصفقة أطلعت عليها «السفير» من مصادر رفيعة المستوى، كانت منخرطة في التفاوض، فلم يعلن عن شيء حتى الآن. أراد الاتحاد الأوروبي إتمام القضية قبل قمة اللاجئين في نيويورك، الاسبوع المقبل، ليحمل معه «مواثيق الهجرة» ضمن ترسانة يعتبرها إنجازات سيروّج للاقتداء بها أمام المجتمع الدولي. يفترض أن يعلن عن الاتفاق أيضاً الأسبوع المقبل في بروكسل، على أن يستكمل الجانبان الإعداد لتوقيع تلك الصفقة في أول اجتماع لمجلس الشراكة.كيفية التعامل مع اللاجئين السوريين، وطبيعة الالتزام الذي يطالب به الأوروبيون، كانت أهم مفاصل المفاوضات للجانب اللبناني باعتبار حساسية الموضوع الداخلية. قياساً بلوائح مطالب الجانبين، يمكن القول إن المفاوض اللبناني خرج رابحاً هنا. الاتفاق يتبنى قاعدة «العودة الآمنة» للاجئين السوريين، من دون أي إلحاق، أو إصرار، بكونها طوعية.بحسب النص الذي ختمه الطرفان، يورد أن إطار تنفيذ «العودة الآمنة» هو «مع توفر الظروف» الملائمة لذلك. هنا تفصيل مهم. فالعودة هكذا لا تقتضي الانتظار لنهاية الصراع، أو بسط السلام في كامل سوريا، ثم التدقيق إن كانت الأوضاع مناسبة ليسلك اللاجئون طريق الإياب إلى وطنهم. الاتفاق مع الأوروبيين تمّ على أساس فتح الإمكانية لإعادة اللاجئين على دفعات، على أن يبدأ ذلك في أي منطقة مؤهلة لذلك.محاججة الجانب اللبناني ركّزت على أن هذه «العودة الآمنة» يمكن أن تحصّن الحل السياسي، بمعنى أنها تخلق ديناميكية تدفع لتكريسه مناطقياً. التجربة التي قدمها في هذا السياق هي الحرب الأهلية، وكيف كانت عودة المهجّرين عاملاً ساعد في تثبيت وقف إطلاق النار. على هذا الأساس، حصلت الحكومة اللبنانية على دعم الأوروبيين السياسي لإعادة اللاجئين السوريين إلى حيث يمكن ذلك، ليس إلى تحت القصف طبعاً، لكن خلال مراحل العملية الانتقالية، من دون الانتظار حتى تمامها.كانت هناك إشكالية أخرى للمفاوض اللبناني. كل القضية تتعلق بخلق ظروف حياة أفضل للاجئين، لمنعهم من التوجه إلى أوروبا. لذلك طالب المفاوض الأوروبي لبنان باستصدار تراخيص عمل للاجئين، بما يزيل القيود على دخولهم في سوق العمل. تلك كانت مسألة تسبب صداعاً للجانب اللبناني، بمثابة خط أحمر، لكونها تستدعي عنوان «دمج اللاجئين» مقابل المحظور الداخلي تحت لافتة «رفض التوطين».المخرج الذي قدمه المفاوض اللبناني، وتم تبنيه في النهاية، هو أن القانون اللبناني ليس لديه مشكلة أصلاً في عمل السوريين في فئات محددة. الخلاصة كانت التعامل مع السوريين من دون صفة اللجوء، التي لا يعترف بها لبنان بالأساس لكونه غير موقّع على اتفاقية جنيف. لذلك سيمكن للاجئين العمل فقط في قطاعات الزراعة والبناء، كما كان حال التعامل مع قوة العمل السورية في لبنان قبل الحرب.هنا تصل سلسلة الصفقة إلى مفصل الدعم والمساعدات. من ضمن الحزمة المالية، جرى الاتفاق على ضخ استثمارات في القطاعات «المولدة لفرص العمل»، أي تلك التي يمكن أن توفر فرص عمل للاجئين، على أساس أنه لا يمكن توفير فرص عمل إذا لم يكن هناك مجال للعمل في الأساس.على المستوى السياسي، يتعهد الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بمواصلة نهج الحوار السياسي «مع كل الاحزاب السياسية في لبنان». هذه مسألة يراها المفاوض اللبناني مكسباً، فهنا يجري رسمياً إبطال مفعول تصنيف الأوروبيين الجناح العسكري لـ «حزب الله» كـ «منظمة ارهابية». وضع تلك الصيغة في مقدمة أولويات الحوار السياسي يجعلها قاعدة للعلاقة الثنائية، مع الاتحاد ومع دوله منفردة، في حين أنها المرة الأولى التي ترد فيها تلك الصيغة بهذا الإلزام.تورد بنود الصفقة، لجهة ورقة الاولويات السياسية، أن الاتحاد الأوروبي يعترف بـ «الخصوصية اللبنانية»، لجهة حيثيات التعامل مع اللاجئين وفق حساسيات الكيان اللبناني. كما يلتزم الاتحاد، ودوله، بدعم لبنان بوصفه «مثالاً للاعتدال في المنطقة»، على أن يعكس على المنابر الدولية «فرادة النموذج اللبناني وضرورة حمايته لصالح مستقبل المنطقة».هنا يمكن العودة إلى ظروف التفاوض. لم يعد الأوروبيون يلعبون ورقة «الحفاظ على الاستقرار»، بعدما صاروا هم أنفسهم في حاجة لها. آخر ما يريده الاتحاد خلخلة ذلك الاستقرار الهشّ، لأن ذلك سيعني مرحلة جديدة مما يسمونها «أزمة اللاجئين»، في حين أنهم يجاهدون لتطويقها. «المكاسب» للمفاوض اللبناني كانت مرهونة بفعالية استخدام تلك الورقة. يضاف لذلك أن الأوروبيين باتوا في موقف حرج بعد الصفقة مع تركيا، فهم ارتضوا فيها القيام بعمليات ترحيل للاجئين، خلافاً لمعاهدة جنيف التي يطالبون الآخرين الالتزام بها.الدعم المالي والاستثماري للبنان، وفق «ميثاق الهجرة» مع الأوروبيين، سيكون من ضمن المليار يورو التي تعهد بها المانحون للبنان والأردن في مؤتمر لندن للسنة المالية 2016 -2017. حصل الجانب اللبناني على التزام بأن يستقبل «نصف المليار على الأقل»، ليضاف ذلك إلى أدوات التمويل الأخرى التي يقدمها الاتحاد الأوروبي. المشاريع التي سيجري تمويلها، بالنسبة لدعم البلديات وتعزيز مناعة الاقتصاد والمجتمع المحلي، ستأتي برمجتها لاحقاً بعد إقرار الصفقة.حاجة الاوروبيين للبنان جعلتهم يقدمون تنازلاً رفضوه لسنوات. المسألة تعود لخلل في اتفاقية الشراكة الثنائية مع لبنان، بعدما وقعت في 2002 ثم بدأ تطبيقها عام 2006. بموجبها كان يفترض أن تتشكل منطقة للتجارة الحرة مع إزالة العوائق الجمركية. لكنها لم تكن العوائق الوحيدة، إذ ظهر تأثير المواصفات الأوروبية، الواجب توفيرها، بما منع البضائع اللبنانية من دخول السوق الأوروبية الهائلة. حينما جرت مراجعة الاتفاقية، بعد ست سنوات تطبيق، بدا الخلل بيّناً.ميزان المنفعة، لتجارة السلع والبضائع، يرجح على نحو صادم لجهة الاوروبيين. بمعنى آخر، الاتفاقية لم تعزز التجارة المتبادلة، بل حولت لبنان، تقريباً، إلى منافذ بيع للبضائع الاوروبية. الآن، وفق الصفقة التي تنتظر المصادقة، تعهد الاوروبيون بالانخراط مع الجانب اللبناني لتشكيل فريق عمل، من مستوى رفيع، لدراسة أسباب ذلك الخلل، خصوصاً بالنسبة للعوائق التجارية غير الرسوم الجمركية.داخل هذه المعمعة، تفاوضاً وحيثيات، لم تتحقق مكاسب مهمة للاجئين السوريين، رغم أن المحرك المعلن للأوروبيين هو تحسين أوضاعهم. الحكم سيكون على نتائج التطبيق. لكن المسألة كانت عارية في غرف التفاوض، فالمطلوب كان الصفقة، حملها كإنجاز أوروبي في معالجة «أزمة اللاجئين»، والوسيلة الوحيدة لإنجازها، كما يفعل الشركاء، فعل كل ما يمكن منعا لفشلها. المفاوض اللبناني استخدم تلك الظروف المواتية على خير ما يرومه.
التاريخ - 2016-09-18 6:22 AM المشاهدات 953

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا