لا يكتفي أبو العلاء(362/972م-449/1057/زهدا في الدنيا واحتقارا لها بأن يصف نفسه رهين المحبسين بل يرى أنه رهين سجون ثلاثة.أراني في الثلاثة من سجوني فلا تسأل النبأ النبيثلفقدي ناظري ولزوم بيتي وكون النفس في الجسد الخبيثومع ذلك فقد كان في رأينا أثقب نظراً من المبصرين وأكثر تطوافا في آفاق المعرفة من الرحالة المشهورين وأوسع حرية في التفكير والتعبير من كثير من المتمدحين ، حين نقرأ آثاره نعجب أي عجب لعلومه في علوم اللغة والتاريخ والمذاهب الفكرية ونعجب أي إعجاب بمهارة تلميحاته الى معالم الفكر والعلوم القديمة وإيماءاته البارعة المستشرقة إلى بعض العلوم الحديثة وحد وسه الفلسفية العميقة والرياضية الرائعة.إنا نتخيل أحمد بن عبد الله بن سليمان منذ سنة أربعمئة للهجرة وهو في السابعة والثلاثين من عمره حتى وفاته عاكفاً في بيته متأملاً ومفكراً ومدركاً سعة علمه واستبحار معرفته يحمل في رأسه عالماً من المعرفة والعلم أوسع من العالم المحسوس على شكل تاج أجمل وأبهى من تيجان الملوك.إن تيجان الملوك صائرة إلى الزوال والبطلان، وتاجه المعرفيّ المرصع الذي يزين مفرقه أغنى جمالاً وأبقى زماناً وأخلد.وإذا اختال الملوك بتيجانهم الذهبية وافتخروا بسلطانهم الزمني، فرهين السجون الثلاثة زاهد في كل أبّهة عازف عن كل زيف.لقد قال في سقط الزند، ريعان صباه:وإني وان كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل.وقد أتى حقاً من تأليفه وأشعاره وسيرة حياته بما لم تستطعه الأوائل.ونحن نقول ولا الأواخر، ومع ذلك فقد عرف الدنيا وأحس في نفسه وعند غيره بمصائبها فشعر في النهاية بتفاهة كل شيء في الحياة حتى المعرفة.يبدو لنا أبو العلاء في ظلام عينيه شمساً مضيئة كبقية الشموس الانسانية الكبرى التي أضاءت عالمنا الفكري كانت أشعة فكره من محبسيه أو ثلاثة سجونه تصل الى القصور والأكواخ ومواطن الايمان ومناسك العباد كما تصل الى مخابئ الإلحاد والآثام والشقاء وصولاٍ دون جرح ولا استئذان كأشعة الشمس التي تضئ أكناف الدنيا، كان المعري في كل ما كتب حريصاً كل الحرص على لغة التنزيل الكريم، بل كان من أعلى علمائها مرتبة وحفظاً وفقهاً. لذلك لا نستغرب أن يندد بالعرب في عصره وهو العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية، حين تقاعسوا بعض الشيء عن اتقان لغتهم وصونها، ففشا فيها اللحن والكدورة حتى عند أبناء الصحراء على حين أتقنتها لبلاغتها وشرفها العجم والمولدون ، ينادي في لزومياته ملك الشعراء امرأ القيس فيقول: استنبط العرب في الموامي بعدك واستعرب النبيطماذا كان يقول في العصر الحاضر لو شاهد تداعي اللغة العربية في البلاد العربية أنفسها، حتى على ألسنة شعرائها وآدابها!لم يكن أبو العلاء المعري وحيداً أو رهين المحبسين حيث أخرجه العلماء والباحثين المشاركين في مهرجان المعري الذي أقامته وزارة الثقافة السورية بالتعاون مع محافظة إدلب في مدينة معرة النعمان من حبسه الاختياري في الدنيا ومن قبره الواقع وسط المعرة في عالم الموت .إن المعري حير الناس في حياته وشغل النقاد والفلاسفة في مماته ولم تكن كلماته وقصائده ورؤاه فقاعات تطلق في الهواء ثم لا تلبث ان تتلاشى .بل كانت مثار اهتمام الناس في حياته ومثار اهتام الناس بعد مماته بحوالي ألف عام خديجة بدور
التاريخ - 2017-12-08 5:16 PM المشاهدات 667
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا