الدوام بلا عمل: مفسدة كبرى
بقلم : الدكتور دوريد درغام
تتميز علوم المال والاقتصاد بأنها مملة. و يتفق معظم المعنيين على شكل المظاهر الاقتصادية السابقة أو توصيفها ويختلفون على صيرورتها القادمة. وكلما كانت الآثار مأساوية زاد الخلاف على سبل العلاج. ورغم استخدامهم للأدوات النظرية ذاتها تبرز إشكالية عوالم الاقتصاد والمال بأنها تسمح "لمرتكبيها" بالكثير من التسويف والحجج التي تجعلهم "برأيهم" دوما على حق. وبوجود مختلف منابر الإعلام والدعاية يتمكن هؤلاء من إيجاد ما يكفي للترويج لإنجازات لا يراها غيرهم. وكلما طالت فترة "الارتكاب" الاقتصادي تأكد "لمفتعليه" نجاعة أسلوبهم في أن أي كان يمكنه الوقوف بأي مكان والدليل: رغم ما مضى يستمر الوقوف..!
عندما تعرضت سورية للعقوبات قبل أربعة عقود من الزمن تعلمت أنه بظل الأزمة والحرب والحصار لا بد من التقشف ولا بد من تناغم السياسات الاقتصادية (مالية ونقدية) فقوت الشعب خط أحمر. ورغم أن عدد السكان كان أقل بكثير ورعم أن الأزمة كانت أقل وطأة من الحالية ورغم الرقابة اللصيقة والقوانين المشددة حينها فقد نجم عنها نتائج مؤلمة (مثل ما حدث علم 1986 حيث ارتفع الدولار من 3.95 إلى 42 ليرة). واستطاعت سورية الخروج من تلك الأزمة بفضل عوامل هدة أهمها تفاهمات السياسة واكتشافات النفط الخفيف (آبار عمر والسويدية..).. والأهم كان تفعيل السياسة الاقتصادية خارج المألوف لضمان الأمن القومي الغذائي كيلا تتكرر مآسي الماضي.
نعلم أنه لا تشبه أي أزمة سابقاتها ولكن العلاج مرتبط بالتراكم المعرفي في أروقة القرارات من أزمات الماضي. وهنا تطرح تساؤلات:
• اعتمدت العلاقة مع إيران في الثمانينيات على أن يكون جزء من تسديد القروض أو خطوط التسهيلات عبر دعم إيراني مباشر من خلال السياحة الدينية المنظمة بشكل دوري. فهل من أدوات مشابهة معها ومع غيرها من الدول الصديقة؟
• تولد عن أزمات الماضي سياسة إجبار المصدرين على إعادة القطع الأجنبي وربط الاستيراد بالتصدير. لكن منذ سنوات لم يعلن عن نتائج الإلغاء أو إلغاء الإلغاء الذي تلاه مؤخراً.
• يطول عمر كل أزمة كلما تأخر وضوح الرؤية والأولويات. وتصاب السياسات الاقتصادية بالعقم إن كان عمادها نوايا وتصريحات وتجريب. بالتدقيق في السياسة المالية والنقدية الحالية نجد أنه باستثناء الضرائب والرسوم الإضافية ورفع الدعم (سياسة إدارة عجز الموازنة على حساب من وجدت لأجلهم) لم تتماشى السياسة والإجراءات المالية مع حجم الأزمة الحالية التي أكدت أن سورية جنة ضريبية للتجاروأصحاب المهن الحرة على حساب المستهلكين والمزارعين والصناعيين.
• هل استطاعت سياسة توافر كل السلع حاليا منع التهريب وتوفير المواد لدى معظم المواطنين بسعر مقبول؟
• أما السياسة النقدية فقد بقيت بإطار التدشينات لمختلف المصارف الجديدة وفروعها إضافة إلى استيراد تعليمات وقرارات وضوابط من الخارج لا ينطبق معظمها على البنية المالية والنقدية السائدة في بلدنا. وباستثناء محاولات خجولة لتغيير معدلات الفائدة فقد بقيت في المستويات التي سادت منذ عقود طويلة رغم معدلات تضخم سنوية أكبر بكثير. وبغياب السوق المفتوحة وسياسات الخصم، اقتصر دور المركزي على اللحاق بسعر السوق السوداء والتأكد بالرقابة المصرفية من حسن تطبيق تعليمات متغيرة باستمرار..! دون وجود أي رؤية واضحة تحسن من منظومة الدفع أو مواكبة الحركة الاقتصادية بسياسة نقدية قاطرة "لا كابحة".
• في كل دول العالم، كلما اشتدت الأزمة انكمشت السياسة النقدية وتم التشديد على أن يستخدم الاحتياطي الأجنبي في تثبيت أسعار السلع الأساسية، ومنع البيع لأي أغراض غير تجارية. أما في سورية، فمنذ عام 2009 ورغم انخفاض الاحتياطي ورغم العقوبات والحصار المصرفي والاقتصادي تم اللجوء إلى سياسة فريدة تمثلت ببيع أي مواطن 10 آلاف دولار شهريا..! ولم يعلن حتى الآن عن تقييم تلك التجربة التي تم تغيير شروطها مرات كثيرة دون الاعتراف النهائي بأنها كانت كارثية...!
• الثابت الوحيد في السياسة النقدية السورية كان التغير النسبي بين سعر بيع العملة وشرائها حيث بقي سعر بيع جميع العملات وسطياً أعلى من سعر شرائها بنسبة 7 بالألف ما عدا الدولار الذي حافظ طوال السنين الماضية على سعر بيع أعلى من سعر الشراء بنسبة 6 بالألف فقط لا غير.
مع استمرار تزايد أسعار مختلف العملات أصبحت جلسات التدخل (التي يفترض بها أن تكون استثنائية) جزءا من روتين اقتصاد سوري أجبر مواطنيه على إتقان فن التوقعات بأنه مع استمرار هذه السياسات الاقتصادية ستخسر الليرة المزيد من قيمتها..!
التاريخ - 2015-01-21 12:58 PM المشاهدات 688
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا