.بقلم العميد تركي حسن
تتسارع
أحداث الجنوب وتتساقط مواقع الإرهابيين، وتبدو إنجازات الجيش العربي السوري
أسرع من الكُتّاب والمحللين. فما أن ينتهي محلل ما من لقاء على الشاشات،
إلاَّ ويأتي بعده مراسل لينقل حدثاً جديداً أو خبراً عن استعادة بلدة أو
مدينة.
أتاح المناخُ الدّوليّ بما حمله من إشارات
إيجابيّة، تحقيق هذه الإنجازات، وساعدت على ذلك تحوّلات الموقف الأمريكيّ
المتراجع، وصولاً إلى التخلي عن مجموعات مسلّحة في الجنوب، ما أمَّن موقفاً
أردنياً إيجابياً لاحظناه في الأيام السابقة. أما موقف العدو الإسرائيلي
فبدا متناغماً، وحدد سقفه بالعودة إلى مفاعيل اتفاقية الفصل لعام 1974 وهي
من منتجات القرار 338 لعام 1973 إثر حرب تشرين كمرحلة في طريق السلام
ومؤتمر جنيف (الذي كان مأمولاً).
نستطيع القول إنَّ المرحلة الأولى انتهت
في استعادة شرق درعا وصولاً إلى اللجاة، إذ حرر الجيش أكثر من مئة قرية
وبلدة ومدينة ومزرعة، وتظهر الآن منعكساتها السياسية والعسكرية ولاحقاً
الاقتصادية. فالعملية كانت ذات تكلفة منخفضة جداً من حيث الدمار وعدد
الشهداء والجرحى والضحايا من المدنيين والقتلى من الإرهابيين، كما كانت
المعارك محدودة، وقام الأهالي بتحرير الكثير من بلداتهم قبل دخول الجيش
إليها. ولم تجرِ معارك كبرى؛ بل معارك محدودة في بصر الحرير والحراك وطفس
-التي كنا نتوقع معركة كبيرة فيها -والآن بات الجيش يسيطر على نحو 80% من
مساحة المحافظة، ما مهد للانتقال للمرحلة الثانية وهو الانتقال للقسم
الغربي مباشرة ومن الحركة. وتم استعادة داعل وإبطع وعلما والصورة وسد إبطع
والجعيلية، ووصلت القوات إلى اليادودة وتل شهاب وزيزون. هذا، وسيتابع الجيش
السوريّ -في تقديري- باتجاه غرب درعا مستنداً إلى مسألتين من ثوابت
السياسة السورية هما:
الأولى: حركة القوات المسلحة التي تحرر الأرض والتي تدفع باتجاه التسويات.
الثانية: التسويات التي تؤمن تحرير البلدات والمواقع دون معارك، فالثابتان
متكاملان وكل منهما يسهل للآخر. إذ بدأت في شمال غرب درعا في منطقة مثلث
الموت التسويات التي تتيح للقوات الوصول إلى تل مسحرة والحارة والقنيطرة
بدون معارك. كما أن الاتجاه في المدن الكبرى في الغرب (نوى –جاسم –انخل
–الحارة) تتجه إلى التسويات دون معارك أيضاً، ما يتيح تحرير تلال
استراتيجية دفعنا دماء في الحفاظ عليها وفي مقدمتها، تل مسحرة، الحارة،
الجابية الجموع، وصولاً إلى التلول الحمر. وأعتقد أن البلدات التي تقع إلى
الغرب من هذه المدن ستنحو إلى الطريق نفسه.
أما منطقة الشجرة ووادي اليرموك، فأعتقد أننا نحتاج هناك إلى معركة مع
مجموعات داعش ومن التحق معها، وليس بالضرورة في كامل المنطقة، وإنما لإسقاط
المواقع الرئيسة في الشجرة وسحم الجولان وتسيل وعدوان، ما سيجبرها على
الاستسلام أو الفرار كمجموعات صغيرة أو أفراد. وقد يكون بعضهم بدأ الآن
يبحث عن طريق، وبالتالي تنتهي المرحلة الثانية في استعادة كامل محافظة درعا
وتتحقق الأهداف.
المرحلة الثالثة: معركة القنيطرة والمنطقة العازلة التي قد تتداخل زمنياً
مع معارك غرب درعا. ولقد أفردت لها ذلك انطلاقاً من منطقة العزل بموجب
اتفاقية الفصل! وتمتد من الجنوب منطقة الجزيرة (تلاقي وادي الرقاد مع وادي
اليرموك). وهي نقطة التقاء الحدود الأردنية –السورية مع الجولان المحتل
وبعمق لا يتجاوز 100م 3000م والتي لا يمكن أن تشكل ملاذاً وإمكانية بقاء
المجموعات الإرهابية فيها وصولاً إلى قرية الرفيد شرق تل الفرس. وهنا يزاد
عمق المنطقة العازلة إذ تتراوح بين 4-7 كم مروراً غرب الحارة –مدينه البعث
وصولاً إلى حضر –جبل الشيح وتتوضع ضمنها مجموعة من البلدات السويسة –بريقة
–بئر عجم –الحميدية –والأهم مدينة القنيطرة وهناك إمكانية لاستمرارية
الحياة فيها بما فيها من موارد.
إنَّ هذه المنطقة واقعة بين الخط (آ) غرباً والخط /ب/ شرقاً، إذ تسمح بسلطة
الدولة ومؤسساتها، ذلك أنَّ الشرطة يمكن أن تُزوّد بالسلاح الخفيف دون
(الجيش والأسلحة الثقيلة)، لتبدأ شرق الخط /ب/ منطقة تخفيض القوات بعمق حتى
20كم، ولكن تتيح وجود السلاح الثقيل.
ما استوقفني ودفعني للإشارة إليها تصريحان:
الأول: لرئيس وزراء العدو الإسرائيلي نتنياهو؛ إننا نطالب بالعودة إلى
اتفاقية الفصل لعام 1974 وهذا قرأناه في إطار المناخ الإيجابي الدولي
والتناغم الإسرائيلي والأردني والذي يجنب إسرائيل الانزلاق إلى الحرب، ويدل
على التخلي عن المجموعات الإرهابية.
الثاني: تصريح وزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان: لن نسمح للقوات السورية
بدخول المنطقة العازلة، وسنستهدفها حال دخولها. يُلاحظ أنَّ هذا التصريح
ينسف تصريح نتنياهو ويشكل في القراءة الأولى استمراراً ودعماً للمجموعات
الإرهابية، غير أن القرار النهائي سيكون لنتنياهو . وإذا أخذنا تصريح
ليبرمان على محمل الجِدِّ نقف أمام احتمالين:
1.الاكتفاء بالتصريح لرفع معنويات المجموعات التي شغَّلتها إسرائيل في
المنطقة في السنوات الماضية، بالإضافة لمن تورط في عمالته المباشرة معها،
وبالتالي أن لا تُقْدِم إسرائيل على تقديم أي دعم، ويكون مصير هؤلاء كمنطقة
بيت جن في العام الماضي، وبالتالي سيجري في هذه البلدات تسويات على غرار
البلدات الأخرى.
2.قد نحتاج إلى عملية عسكرية لاجتثاث المجموعات والوصول إلى خط الفصل وتسير وفق احتمالين:
الأول: أن تجري عملية عسكرية بعد اتصالات دولية وتحت مظلة الأمم المتحدة؛
ذلك للسماح بإدخال بعض السلاح الثقيل لاستخدامه مؤقتاً حتى إتمام العملية
ثم العودة /دبابات –مدفعية/ ونكون بذلك ضمن شروط الاتفاقية.
الثاني: أن تجري عملية عسكرية بعناصر المشاة، ويتم تقديم الدعم الناري من
الخلف؛ ذلك أن المنطقة ذات عمق قليل تتيح للأسلحة الثقيلة ذلك دون دخول
منطقة العزل.
ولا ننسَ أن نتنياهو في طريقه إلى موسكو لبحث مسألة الوجود الإيراني في
سوريا وصفقة القرن التي تحفظت روسيا عليها بصيغتها الحالية. وبحث الطريق
البديل بإجراء تسوية شاملة. والحصول على ضمانات روسية.
وهنا تتحقق أهداف المرحلة الثالثة، وتتحرر المحافظتان درعا والقنيطرة
وتنتهي مشكلة منطقة الجنوب، ويرتفع العلم الوطني على البوابات، وهذا ما
افتقدناه منذ سبع سنوات.
مركز دمشق للأبحاث والدراسات - مداد
التاريخ - 2018-07-14 7:37 PM المشاهدات 664
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا