على عكس ما يتوقعه المعنيون، فإن أي تصريح يصدر عنهم بخصوص ضبط الأسعار والمساعي والتعاميم والتشديدات لكبح جماحها، بات يشكل حالة من النزق والتندر خاصة في ضوء ما تشهده الأسواق المحلية من اضطراد مستمر في حركة الأسعار صعوداً، بمناسبة أو بغير مناسبة..وأكثر من ذلك فإن مثل هذه التصريحات باتت تثير عند المستهلك حالة من القلق والتوجس لأن موجات ارتفاع الأسعار كانت تلي مباشرة مثل هذه التصريحات في كل عام ولم تكن أي من الإجراءات التي يتم التصريح عنها قادرة على فعل شيء للحد من تلك الارتفاعات.ذلك أن مثل تلك التصريحات باتت أشبه بتقليد سنوي أو بروتوكول معتاد تصدره الجهات المعنية وتؤكد على تشديد الرقابة على الأسواق مع بداية شهر رمضان المبارك من كل عام، لتوحي للمستهلكين بأن عين الرقابة لا تنام وأن المتابعة مستمرة للحد من حالات الغش والتلاعب ورفع الأسعار..ولعل الجديد في هذا العام ما نقلته وسائل الإعلام مؤخراً وقبل حلول شهر رمضان المبارك بأيام عن الوعد الذي حصلت عليه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من قبل ممثلي التجار، بأنهم لن يرفعوا الأسعار هذا العام في شهر رمضان المبارك..البعض قرأ هذا الوعد الذي تلقته الوزارة بأنه تصريح معلن بأن من يتلاعب بالأسعار هم التجار والموردون والمنتجون أنفسهم، وهذا بالدرجة الأولى بعيداً عن أية تأثيرات أخرى والتي منها سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، الأمر الذي يفتح الباب لمزيد من التساؤلات..ومع ذلك لم يفي هؤلاء بوعودهم وبقيت الأسعار مرتفعة.لكن المتتبع لحركة الأسعار يمكنه أن يلمس صعوداً ملحوظاً للأسعار وذلك قبل حلول الشهر الكريم بأسبوع أو عشرة أيام تقريباً، حيث ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل واضح وبنسبة كبيرة قياساً بما كانت عليه، حيث ارتفعت عبوة الزيت النباتي (ليتر واحد) بمقدار خمسون ليرة سورية لتصبح 650 ليرة، وكيلو الحمص اليابس الفرط أصبح 500 ليرة بعد أن كان يباع بـ 400 ليرة، كذلك البرغل والسمنة والعدس المجروش والرز، أيضاً عبوة اللبن المبستر المختوم ارتفع سعرها بمقدار 25 ليرة، وأهم مادة وهي السكر ارتفع سعرها بشكل ملحوظ من 250 ليرة ليصل إلى 350 ليرة دفعة واحدة، وغيرها من السلع والمواد الغذائية التي طالتها موجة الارتفاعات دون أن يكون هناك أي مبرر أو سبب واضح ..!!!وبذلك فإنه وحتى ولو افترضنا جدلاً أن بعض التجار قد خفضوا أسعار منتجاتهم خلال شهر رمضان، أو على الأقل لم يرفعوها، فهم بشكل طبيعي كانوا قد حجزوا لأنفسهم الحصة التي يرغبون بها من السوق، وزادوا نسبة أرباحهم مستغلين في ذلك أزمة المحروقات التي عصفت بالبلاد قبيل حلول الشهر الكريم، والتي ترافقت مع تذبذب في سعر صرف الليرة أمام الدولار، ما أتاح المجال لهؤلاء بتحريك أسعار السلع والمنتجات بشكل أوتوماتيكي..وانتقلت العدوى إلى أجور النقل العام سواء في سيارات الأجرة أو في (السرافيس) وكل أصبح يغني على ليلاه في غياب واضح لأي دور أو تدخل مؤثر للجهات التي من المفروض أن تكون هي الأولى في ضبط الأسعار ومنع التلاعب بها..ولم يعد خافياً على أحد أن أي تذبذب في سعر الصرف أو أزمة طارئة تمس الوقود أو غيرها قد يكون لها تأثير لكنه محدود وعابر وينتهي خلال أيام، وأن لدى التاجر أو المورد أو الصناعي مستودعات مليئة بالسلع وهو يورد إلى السوق مما اختزنه فيها، وإنه لو أراد أن يستورد أو ينتج سلع جديدة فإن يحتاج إلى وقت ليس بالقليل، وبالتالي فإن مثل هذه الأزمات لن يكون لها تأثير مباشر على مستورداته أو إنتاجه الجديد، وأن البعض من هؤلاء يمتلكون القدرة على تزويد الأسواق لأشهر من دون أن يحتاجوا لاستيراد كميات إضافية، ما يعني أن رفع الأسعار غير مبرر بكل الظروف والأحوال وإن التفسير الوحيد الذي يمكن أن يبرر تلك الارتفاعات هو الجشع والطمع والاستغلال فقط لا غير...ولن ننسى في هذا السياق غياب الأثر المطلوب لعمل المؤسسة الوحيدة للتدخل الإيجابي وهي السورية للتجارة، والتي لم تقف على الحياد بل ساهمت في رفع الأسعار، من خلال طلب أسعار لبعض المواد التي تباع في صالاتها ومنافذ بيعها أكثر حتى من الأسعار المسجلة في الأسواق المحلية الأخرى..حتى السكر الذي كانت تتفاخر المؤسسة بأنها استطاعت أن تكسر سعره بشكل كبير وتبيعه بسعر يقل عن سعر السوق بحوالي 40 ليرة، نقول إنه حتى هذه المادة انفقدت من بعض منافذ البيع بحجة زيادة الطلب عليها، مع توفرها في منافذ أخرى؟؟ورغم ذلك ما تزال مصادر المؤسسة تدفع بتصريحات دافئة تحاول من خلالها طمأنة المستهلكين بأنها ما تزال تقف معهم من خلال الإعلان عن افتتاح المزيد من صالات البيع في عدد من المدن والمحافظات، لكن السؤال يبقى ما فائدة ذلك طالما أن الأسعار التي تباع فيها أغلب السلع والمنتجات لا تختلف عن أسعار السوق إن لم نقل أنها أغلى منها وهذا يمكن أن نلمسه بأسعار الخضار والفواكه والتمر والأجبان والألبان وحتى البيض يباع بنفس سعر السوق دون أي (تدخل إيجابي)..!
التاريخ - 2019-05-18 10:03 PM المشاهدات 1621
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا