بعد الحرب الكلامية والتحشيد العسكري الذي تضمّن تصعيداً خطِراً بين واشنطن وطهران في الخليج، بدأت تصريحات الجانبين تأخذ منحى آخر، لتشير إلى عدم وجود نية لخوض حرب، والتأكيد على ضرورة وقف التصعيد الكلامي والعسكري، والدعوة إلى التهدئة. مصادر استخباراتية أميركية كانت قد أكدت أن التصعيد الأخير بين الطرفين ناجم عن اعتقاد خاطئ لدى كل منهما برغبة الطرف الآخر في التصعيد. في المقابل، قال قائد الحرس الثوري إن إيران لا تسعى إلى حرب، في تأكيد للتصريحات الصادرة عن عدد من المسؤولين الإيرانيين.تزامنت هذه التطورات مع الدعوة التي أطلقها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت فلاحت بيشه، الأسبوع الماضي، لإقامة حوار إيراني-أميركي يكون هدفه إدارة التوتر المتصاعد في المنطقة، مقترحاً أن يستضيف العراق أو قطر الحوار المنشود بين الجانبين. وبالرغم من التقارير التي تقول إن مجلس الأمن القومي الإيراني نفى أن يكون الموقف الذي عبّر عنه حشمت ممثلاً لموقف الدولة الرسمي، فإنه يمكن القول إن الرسالة الإيرانية قد وصلت بالفعل.من الواضح أن الطرفين تراجعا خطوة إلى الوراء، لكن مع موقف المرشد الأعلى الذي أكد فيه أن لا حرب مع الولايات المتحدة ولا تفاوض، سيكون هناك مشكلة لدى الجانب الإيراني في كيفية تبرير الدعوة إلى الحوار. في الحالات العادية، كان من الممكن أن تتجاهل إيران الدعوات الأميركية، لكن الضغوط الاقتصادية لا تترك لها كثيراً من الخيارات. على الناحية الأخرى، يخاطر الجانب الأميركي من خلال الحشد العسكري بإمكانية اندلاع حرب بالخطأ. ولهذا السبب بالتحديد، ترافق التصعيد الأميركي مع دعوة إلى التفاوض.قامت واشنطن بدعوة الاتحاد الأوروبي والحكومة العراقية وكل من قطر وسلطنة عُمان لإرسال رسالة واضحة إلى طهران، مفادها «اذهبوا إلى التفاوض»، كما تم إرسال رقم هاتفي إلى السفارة السويسرية التي ترعى مصالح الولايات المتحدة في إيران. ما قدّمه الجانب الإيراني حتى الآن يتجاوز -على ما يبدو- الاتصال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيلتقي الطرفان؟ ووفق أي شروط؟ وأين؟ يرى البعض أن إيجاد النظام الإيراني مسوّغات مقبولة تبرّر تراجعه وانخراطه في حوار مع واشنطن ليس بالأمر الصعب، لكن الهدف لن يكون التفاوض على الاتفاق النووي بقدر ما هو محاولة للتخفيف من حدة التوتر المتصاعد.الحوار هو الخيار الأفضل للطرفين في ظل المحاولات الجارية لتخفيف التوتر وتفادي الصدام المباشر. العراق لا يبدو مكاناً مناسباً لإقامة الحوار، أو ربما هكذا تفيد المؤشرات الأميركية الأولية؛ إذ تنظر واشنطن إلى بغداد على أنها ساحة للنفوذ الإيراني، وخير دليل على ذلك مطالبة موظفيها الحكوميين غير الأساسيين بالانسحاب من العراق مؤخراً. وفي حين تبدو عُمان مكاناً مناسباً -خاصة للجانب الإيراني- فإن إدارة ترمب قد لا تفضّلها؛ لكونها تمثّل قناة إدارة أوباما الخلفية مع إيران. تبقى قطر وسويسرا في قائمة الدول المقترحة لإقامة منصة حوار.علاقات الدوحة الممتازة مع الجانب الأميركي، وعلاقتها وانفتاحها على إيران ، يؤكد أنه بالإمكان أن تكون مكاناً مناسباً للحوار، وإن كنت أرى أن حظوظ سويسرا عالية إذا ما تم الاتفاق بالفعل على الحوار.
التاريخ - 2019-05-23 8:50 PM المشاهدات 513
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا