شبكة سورية الحدث


مدينة تسكنني ...؟؟!! - بقلم الأديب محمود القاسم

مدينة تسكنني ...؟؟!! - بقلم الأديب محمود القاسم
يحدث أن تعشق امرأة وتهيم بها وجدا ..., ولكن هل جربت غرام مدينة تشغفك حبا فتصبح متيماً بكل تفاصيلها , وقد رضعت مع حليب أمك هواها فنما وترعرع في فؤادك منذ نعومة أظفارك , عشقها لم يزل كنزاً مخبوءاً بحنايا قلبي وفي رحم ذرات ثراها خشية أن تكتشفه حبيباتي وتشتعل نيران غيرتهن لأنه طغى على هواهن مجتمعات بقلبي واستمر ولم يزل متحداً مع خفقاته وكريات دمي . تمضيان سوية خمسة وأربعون عاماً من الوصال لتحدث بعدها الطامة الكبرى ؟؟!! ويبعدك قسراً عنها أصحاب الرايات والقلوب والأفكار السود , سنوات عجاف تمر من مكابدة البعاد والشوق فيوجف قلبك وتتزايد بكثرة أقمار ليل شعرك .رفقاً بأعصابنا يا من تمارسون حب مدينتكم باستعراضية قاسية فتنشرون صور شوارعها وأبرز معالمها على صفحات الشبكة العنكبوتية , على رسلكم فقلوبنا تضطرب خفقاتها لرؤية الأماكن التي عاشت فينا وعشنا فيها خمسون سنة إلا نيف مابين طفولة وصبا وريعان شباب , هناك رفاق الطفولة والدراسة والحواري التي شهدت العشق البكر , والالآم والآمال والخصام والأفراح ,أنتم لا تدرون أني أحن شوقاً لكل ذرة تراب فيها وأمني النفس والقلب بساعة اللقيا بعد أن طال البعاد ..., لعلي أنعش روحي بنسائم نهرها العليلة وأعمدها بمائه العذب الفرات فأغسل أحزاني وعذابات الفراق . أخطو منتشياً فوق الجسر الجديد بعد برهة يطل علي دوار البانوراما الرائع وبدايات ضواحي عمران المدينة , ألثم ترابها وأغذ الخطى مغالباً دموعي لأكحل عيني برؤية قصر المحافظة ودار الثقافة فساعة المدينة العريقة ودكاكين سوقها ... , وسط ذهولي وفرحتي لا أدري أين أتجه هل أهفو باتجاه شارع المنصور أم أعود أدراجي صوب تقاطع الخضر, ومن هناك يمكنني الوصول لحديقة الرشيد الأثيرة أو أكمل بشارع تل أبيض فدوار الدلة ثم السبع بحرات , اشتقت للطواف حول سورها الأثري العتيق لأدخلها من باب بغداد العتيد , كم أتلهف لرؤية خانات سوقها الشرقي وسيف الدولة وكل شبر في حواريها . وقفتي الأولى في بيتي المهجور لأستريح تحت دالية العنب وأتفقد شجيراته سأزور الأهل والجيران وأحصي من مات ومن بقي حيا , أكمل جرد خسائري باحثاً عن إخوة لي لم تلدهم أمي ... أتدرون بعد هذه الشيبة واثر تلك المحنة لا حلم عندي أعز ولا أغلى من عودتي لدرة الفرات وإذا قدر الله لي رجعة ميمونة - لن أبارحها أبداً- حتى أمسي جثة تسكن حفرة في ثراها وقتها رغم مصيبة الموت سأنعم بالسعادة وأغفو راضياً مرضيا بحضن حبيبتي- الرقة - .
التاريخ - 2017-01-15 7:15 AM المشاهدات 1564

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا