شبكة سورية الحدث


حمزةُ النّبيلُ..ميَّادة مهنَّا سليمان

حمزةُ النّبيلُ..ميَّادة مهنَّا سليمان
كانَ حمزةُ على الشُّرفةِ يراقبُ الجيرانَ الجُدُدَ، وهم يُنزِلونَ أثاثَ منزِلِهِم من السّيّارةِ، ويصعدونَ بهِ إلى الأعلى. لفتَ نظرَهُ طِفلٌ في مِثلِ عمرِهِ تقريبًا، لكنَّهُ كانَ بِقدَمٍ مبتورةٍ، تُساعدُهُ في المشيِ عُكَّازانِ.دخلَ حمزةُ قائِلًا لِأُمِّهِ: - أُمِّي ألمْ تُخبِرينِي بأنَّ لقاحَ الشَّللِ يحمي القدَمينِ؟- ردَّتِ الأمُّ: بلى يا صغيري.أشارَ حمزةُ إلى الشُّرفةِ قائلًا:- لقد رأيتُ ابنَ جيراننِا الجُدُدِ، لقد كان بِلا قدمٍ يا أمّي!قالتِ الأمُّ:- لعلَّ حادِثًا ما أصابَهُ يا بُنَيَّ.فقالَ حمزةُ: - حينَ يلعبُ في الحارةِ، سأسألُهُ.أمسكتْ أُمُّهُ يدَيهِ الصَّغيرَتينِ، وقالتْ:- اسمعْ، يا حبيبي، قدْ تُحرِجُهُ فعليكَ ألَّا تسألَهُ، أو حتَّى تُحَدِّقَ في قدمِهِ المبتورةِ، فإنَّ ذلكَ قدْ يؤلِمُهُ.في اليومِ التَّالي خرجَ حمزةُ منَ المدرسةِ، فوجدَ الصَّبِيَّ ذاتَهُ واقفًا مُطَأطِئَ الرَّأسِ، حزينًا، وتلميذَينِ كسولَينِ منَ الشُّعبةِ المُجاوِرَةِ لِصفِّهِ يسخرانِ منهُ. قالَ أحدُهُما:- أنتَ أيُّها المسكينُ ذو الأقدامِ الثّّلاثةِ، هيَّا لنتسابقَ معًا!ضحكَ الآخَرُ قائِلًا:- لا شكَّ سيسبِقُنا!غضِبَ حمزةُ كثيرًا، فاقتربَ من الصَّبِيِّ مواسيًا:- مرحبًا، أنا جارُكَ، أسكنُ في البناءِ المقابلِ لمنزِلِكَ.البارحةَ رأيتُكَ معَ أهلِكَ حينَ كانوا يُنزِلونَ أثاثَ منزِلِهِم.ابتسمَ الصّبِيُّ، وقال:- أهلًا بكَ، اسمي وليد، و أنتَ ما اسمُكَ؟- اسمي حمزة،  لا تحزنْ من هذَينِ المُشاكسَينِ، غدًا سأُخبِرُ المديرَ كي لا يتعرَّضا لكَ مُجدَّدًا، وكي يعاقِبَهُما.سُرَّ وليدُ بكلماتِ المواساة الجميلةِ من حمزةَ، الَّذي قالَ:- هيَّا، لنعودَ معًا إلى المنزِلِ.ردَّ وليدُ:- لكنَّكَ ستتأخَّرُ، فأنَا بطِيءٌ في المَشْيِ.شدَّهُ حمزةُ بلطفٍ من يدِهِ قائِلًا:- لا عليكَ، سأعتذِرُ من أُمّي، وأخبِرُها بما جرى اليومَ.سار الصَّديقانِ معًا، وكان حمزةُ النَّبيلُ يتذكَّرُ كلماتِ أُمِّهِ، وتوجيهاتِها، فيتحاشى النَّظرَ إلى ساقِ صديقهِ المبتورةِ، كي لا يجرحَ شعورَهُ، ويبطئُ خطواتِهِ كي لا يسبِقَهُ، فيحزَنَ.عند وصولِهِما إلى الحارةِ كانتْ أُمُّ حمزةَ تنتظِرُهُ قلِقةً على الشُّرفةِ، فلوَّحَ لها قائِلًا:- انظري، يا أُمِّي، لقد ترافَقْنا معًا، إنُّه ابنُ جيرانِنا وليدُ.ابتسمتِ الأمُّ، فسلَّمَ عليها وليدُ بأدَبٍ جَمٍّ.ودَّعَهُ حمزةُ، واعدًا إيَّاهُ أنْ يلتقيا في الصَّباحِ، ويذهبا معًا، وكانَ وليدُ مسرورًا جِدًّا، فقالَ لحمزةَ:- أنا أشكرُكَ، لم يكنْ لدَيَّ أصدِقاءُ في حارتي القديمةِ، كانوا يجتنبونَني، ولا يلعبونَ معي!تألََمَ حمزةُ، لكنَّهُ ابتسمَ قائِلًا:- أنتَ صديقي، وسنترافقُ دومًا إلى المدرسةِ، وسنلعبُ سويَّةً في الباحةِ، والحارةِ.ابتهجَ وليدُ، فودَّعهُ ومضى إلى منزِلهِ.أمَّا حمزةُ فقدِ اعتذرَ من أُمِّهِ بسببِ تأخُّرِهِ، وحكى لها ما فعلَهُ التّلميذانِ الكسولانِ، فأثنتْ على مُساعدتِهِ لصديقِهِ، وقبَّلَتْهُ بِحُبِّ، وحنانٍ.بعدَ أنْ تناولَ حمزةُ طعامَ الغداءِ، بدأَ بكتابةِ وظائِفِهِ، وآخِرُها كانتْ وظيفةَ الرَّسمِ، فقدْ رسمَ حديقةً جميلةً يلعبُ فيها الأولادُ فرِحينَ مع طفلٍ يستنِدُ على عُكَّازَينِ، وكتبَ في  أسفلِ الصَّفحةِ:" ليسَ مُهِمًّا أنْ تفقِدَ قدمَكَ بلِ المُهِمُّ ألَّا تفقِدَ عقلَكَ، وأخلاقَكَ."
التاريخ - 2019-11-17 2:08 PM المشاهدات 346

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا