صدفة بطعم العلقم
الصدفة الأعنف على قلبها ، شوهت معالمها فأبدت وهنها و قلة حيلتها و هي في مقتبل العمر...
كانت قلقة جدا ، إنها تحمل كمية هائلة من القلق بداخلها ،من الصعب تصديق أن لجهاز عصبي واحد القدرة على تحمل كل هذا القلق...
سمارها الذي يضج بالفتنة ما زال على ما يرام ، دون أنه يفتقد لابتسامتها، تلك الابتسامة التي قامت بدفنها في مكان ما و لسبب ما ، أما عن عينيها فتلك الدموع قد خطفت منها الشغف كما تخطف الأرواح...
انحفرت في قلبها ملامح ذلك الشاب ، إنها تشعر بوجوده أكثر مما تشعر بقلبها ، تظن أن القلب مجرد عضلة بحجم الكف لا فائدة لها ، مقتنعة تماما بأن ذلك الشاب هو من يضخ الحياة في عروقها...
تذكر دائما ذلك اليوم الذي جمعهما، كيف لها أن تنسى يوم حارب فؤادها قفصها الصدري محاولا الخروج منه من فرط اللهفة؟!
و مثل كل مرة تجرم بحق شعورها و تحاول شرحه والحديث عنه مع أنها على يقين تام بأنها لن تفيه حقه و بأنه ما من أحد سيفهم الأمر ... إنها تشعر بشيء لم يشعر به غيرها...
تمسك قلمها و تبدأ بخط ما تشعر ، كأنها تريد الانتقام من اللغة لذلك تحملها مشقة وصف شعورها..
إنها تضطرم شوقا لقمرها ، بل إنها تتلاشى بدونه ...
هي لا تدرك المغزى من أن يمر الوقت بدونه، ما الفائدة من الوقت إن لم تتحرك عقارب الساعة ذهابا وإيابا برفقته...
لم خلق الله الأرض إن لم تستطع الاجتماع به في بضعة أقدام منها، و ما فائدة وجود كل تلك الأماكن ان كانت لن تنل شرف زيارتهم لها معاً ،لماذا تعلمت الكتابة والقراءة إن لم تكتب له و تقرأ كلماته ، ولم النصوص إن لم يعانقها بين السطور..؟!
تلك الأسئلة كثيرة لكن جوابها واحد و قصير للغاية...
إنها ماهية الأرض ، لن تتوقف الحياة و تعلن طقوس الحداد لمجرد شعورنا بالحزن...
أماهية الأرض قدرت لتلك الجميلة أن تصبح رمادا و تعيش ما تبقى من عمرها وهي تفقده؟
كانت تشعر أن وجود ذلك الشاب في عالمها يشبه هو رحمة الله التي تحل على قلوبنا قبل فوات الأوان بقليل ،كانت تعلم كل العلم أنه لا نهاية لرحمة الله على قلوبنا و لهذا السبب برحت عاجزة عن تصديق فكرة أن الله قد أزاله من طريقها بشكل ما...
كم كانت ستبدو رائعة تلك السمراء لولا ذلك الحزن الذي خطف منها الحياة، لربما كانت الآن في كوكب آخر غير كوكبنا لفرط طموحها وامنياتها...
ما يؤلم أنها تعتبر هذا الحزن وفاء وإخلاص، ليست وفية لحب ولا لشخص ،ربما هي وفية لأنقاض حب لا ترى معنى لحياتها بدونه...
عاشت برفقته أجمل أيام عمرها ، ربما ما زال يحبها و ربما هو الآن في رقعة ما من الأرض يقسم لغيرها أنه يحبها ...
ليست مشكلة ولا غريب في الأمر ، فالنسيان عمل فردي وهذا أسوء ما فيه ، إنه العمل الوحيد الذي ليس بإمكان أحدهم أن يشاركنا إياه...
إنه فردي و شاق ، شاق حد الموت
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا