مابَعدَ غِيابِي
ها أنا ذا في العالم الآخر
لا أذكر الكثير فرأسي مثقلٌ كما لو أنني نمت مطوّلاً ، حسناً حسناً غير مهم !
أعتقد أنّ هذا هو أفضل حالٍ ، فكنت أتوق كثيراً لمعرفة مراحل ما بعد موتي ، ها قد مررت بأوّلها ولكنّها تزعجني لبضعة أسباب ؛
فأوّلها لا أطيق الانتظار أحبّ حصولَ كلُّ شيءٍ بسرعة ،
وثانيها أنّني أتجوّل حول مقربيني أهلي وأولادي ولا أحد يراني ، مشاعرٌ مؤلمة فأنا قريبة ولا أحد يلحظ وجودي ؛
أحدثهم أمشي وأراقبُ .. يا لكثرة ما أشاهِد !
جَسدي هناك ألقوا به على عتبة البابِ ولقد التمّ الحضورُ حولَه وأنا أقف جانباً ، لكن حقيقة مافي الأمر يا أحبّتي أنّ جسدي مجرد قميص ورداء لروحي هو ليسَ ثرى كمالٌ لروحها ليسَ إلّا !
لطالما كنت مؤمنةً بهذه الفكرة إذ طرح والدي علييّ سؤالاً "من يحمل الآخر أهوَ الجسد من يحمل الروح أم الروح حاملة الجسد ؟!"
فكانت إجابته بالطبع الروح تحمل الجسد ودليل ذلك أنّه عند الموت يسقط الجسدُ أرضاً وروحكَ تعودُ لخالقها فتعززت بفكري مكانة الروح وبالتأكيد أوليتها على الجسد ، وتابع قائلاً أنّ المرء بعد موته تذهب معه أمواله وأعماله للدفن فمن يا ثرى سيرافقكِ للعالم الآخر ؟!
لم أتردد بقولِ أنّ الأعمال هي من تكمل معنا طبعاً ..
و بينما كنت أتابع تفحص موقعَ العزاء بي رأيتُ من هاجر عني ظلمَ روحي و آذاها بكلمة أو بأخرى يتحسر على غيابي ، لعلّ هذا المشهد أشّد سببٍ لكرهي لهذه المرحلة ، فتمنيت لو لم أراهم فبكاؤهم لن يعيدني ولا يجدي فقد قُطِعت حبالُ الوصال وأنا على قيد الحياة فكيف لنا بإعادة ربطها وأنا قد غادرتها
فتباعَدتِ الأرواحُ لوقتٍ لا يعلمه سوى الله ..
حسناً لا أريد بكاءً ولا رثاءً أكثر فأنا أعلم جيداً القلوب والألسن الصادقة وأقدّرها ، لا تقلقوا عليي ف أنا الثرى وسأدفنُ بهِ فلمَ البكاء ؟!
أنا لم أنتهِ فقد بدأت الحياة الآن ، ستبقى روحي تحومُ حولَ قبري وسأراكم وأسمعكم حدثوني عن أسرارٍ لم تبوحوا بها شاركوني أحلامكم وهمومكم سأخبئها معي وأخبرها لخالقي وأيّاكم ..
ولكن لا تطيلوا الغياب عني ..
بأفضل حالٍ وسأبقى طالما كنت أعمل خلال السبعين عامٍ من عمري كي أصل إلى هنا بأبهى صورة ومظهر لروحي
أنا بخيرٍ لطالما أنا هنا
6/4/2020
ثَرَىْ حيدر نعيسة
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا