شبكة سورية الحدث


تدمر.. قرار سوري شجاع والأيام ستحكم

الواضح إن العقلية المديرة لتنظيم داعش خلال الفترة الحالية تسعى لخلق أزمة كبرى في سوريا من خلال الذهاب بالميدان السوري إلى أعلى درجات السخونة من خلال استجرار التنظيم نحو معركة واجهتها الحكومة السورية بقرار شجاع بإخلاء المدينة في وقت هي بأمس الحاجة فيه لكل عناصر القوة، لكن يبدو أن دمشق قررت حماية مواطني المدينة أولاً، وسلامة القوات المدافعة عن المدينة من الدخول في معركة استنزاف قد تطول، نتيجة لحجم القوة التي استقدمها تنظيم داعش إلى هذه المعركة، فالمعلومات الخاصة تؤكد إن داعش هاجم المدينة بنحو 14 ألف عنصر، مزودين بعدد كبير من المدرعات والمصفحات وعربات الهمر الأمريكية الصنع، وبحسب المصادر، فإن التنظيم كان يحضر لعمليات انتحارية كثيفة تستهدف خطوط الدفاع السورية لدخول المدينة، الأمر الذي واجهته الحكومة بهذا القرار الذي يمكن الجزم إن الحكومات المعادية لها كانت تنظره أن يأتي بعد استنزاف القوات في تلك المدينة.لا يمكن التقليل من أهمية تدمر بالنسبة للجيش السوري، والمنطق يقول إن المعركة لم تنتهي، وإن كان التنظيم قد ذهب نحو عملية اجتياح بربرية من خلال ذات التكتيك المعتمد على الكثافة العددية في الالتحام المباشر، فإنه سيقوم بسحب العدد الأكبر من هذه الحشود نحو معركة يسعى من خلالها التمدد لتأمين وجوده في تدمر أولاً، ومن ثم الانسحاب نحو الرقة ودير الزور لخنق الأخيرة من الجهة الغربية، ويظن التنظيم إن المعركة في دير الزور ستميل لصالحه إذا ما أمن إمكانية التمدد من هذه الجبهة. كما إنه من الممكن الحديث عن محاولة التمدد من قبل تنظيم داعش نحو الجنوب، باتجاه ريف دمشق، أو باتجاه الحدود الأردنية للسيطرة على الجبهة الجنوبية والدخول في معركة مع الميليشيات فيها، وفي ذلك إعادة رسم للخارطة الجهادية في سوريا، ليكون التنظيم على اتصال مباشر بالحدود الغربية لسوريا، وتحديدا من الطرف الأقرب لمناطق الجولان السوري حيث الكيان الإسرائيلي. لكن الأساس في هذا التمدد هو ما يقرأ على الخارطة السياسية للأزمة السورية خلال الـ 24 ساعة الماضية، فإن كانت مشاورات جنيف حول الملف السوري قائمة منذ مطلع الشهر الحالي، فإن النقاش بين الحكومتين الروسية والأمريكية لم يحسم بعد، وإلى ذلك يحضر في المشهد السياسي الإعلان الفرنسي عن إقامة مؤتمر دولي لمناقشة الوضع في سوريا والعراق، وفي الأخير تنقلب الولايات المتحدة على نفسها، وتعتبر إن الحشد الشعبي الذي كان مرفوضاً من قبل أمريكا بات أساسياً وفق منظورها في محاربة داعش في الأنبار المتاخمة للأراضي السورية، وعلى ذلك أيضاً يمكن القول إن وضع سوريا على صفيح ساخن مع رفع درجة حرارة التوتر السياسي في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً ضروري لخلق المناخ الملائم لمحاولات الصيد في الماء العكر على المستوى السياسي من قبل أمريكا، إضافة إلى محاولة استنزاف القدرات السورية وجرها من الجبهات التي تحقق فيها انتصارات نحو معركة لا تصب في خانة أحد بقدر ما تخدم التوجه الأمريكي نحو ضرورة زعزعة الدولة السورية، لكن رفض دمشق الوقوع في الفخ الميداني في تدمر لجهة إهمال الجبهات الأساسية والذهاب نحو استنزاف القوات السورية في محيط المدينة بما تحمله من إرث إنساني وحضاري، المضاف إلى أهميتها الإستراتجية أعاد خلط الأوراق، ومن اللافت في الهجوم على مدينة تدمر تحرك "اليونسكو" منذ الساعات الأولى للهجوم على المدينة، فأصدرت بيان أول قبل أيام، وعادت للتأكيد على ضرورة وقف القتال للحفاظ على هذا الإرث الإنساني، لكن السؤال الذي يفرض نفسه يبحث في عدم تحرك اليونسكو لحماية أياً من مواقع الإرث الإنساني في سوريا، سواء في مدينة بصرى الأثرية التي تمددت إليها جبهة النصرة برعاية إسرائيلية مباشرة، أو عند مدينة الرقة وقلعة جعبر، أو قلعة الحصن قبل تحريرها، أو "حلبية وزلبية" أو مدينة ماري في ريف دير الزور، لماذا تدمر تحديداً، في وقت هزت به أعلام سوريا والمقاومة التي رفعت فوق مرتفعات القلمون تل أبيب... في زاوية أخرى من تمدد داعش نحو تدمر، يقرأ موقع المدينة التي تشكل الواقع الممتد من الرمادي العراقية إلى عمق الصحراء السورية، وعلى ذلك يمكن القول إن هذه المعركة جاءت لتأمين التمدد نحو ريف حمص الشرقي بما يملكه من منشآت نفطية وغازية، وبكون التنظيم كان قبل فترة قد عقد اجتماعاً نفطياً لبحث توسيع مصادر التمويل للتنظيم، وتمكنت القوات السورية من الحصول على معلومات عنه وتم استهدافه، وقتل فيه "أبو تميم السعودي" والذي يعد واحداً من الشخصيات القيادية الغامضة في التنظيم ولكن كانت تناط به مسؤولية عقد الصفقات النفطية مع التجار الأتراك. لكن وصول التنظيم إلى منطقة تدمر يأتي متزامناً مع نجاحات للجيش في مناطق متعددة، منها على سبيل المثال استعادة السيطرة على قمة جبل عبد العزيز في الجزيرة السورية، وإن يكون الأمر بعيد عن وسائل الإعلام الخليجية، فذاك لا يقلل من إستراتيجية وحجم الخسارة الكبيرة التي مني بها التنظيم في منطقة تعتبر عقدة وصل بين طرق داعش، ونقل قوافل الإمداد والنفط عبر البادية السورية من وإلى العراق، ولجهة إن التنظيم لن يقوى على الاحتفاظ بمدينة تدمر طويلاً لعدة أسباب منها المعارك الضخمة التي فرضها التنظيم على نفسه في مناطق محافظة الأنبار العراقية، كما إنه سيسعى إلى إعادة التموضع في مناطق البادية السورية من الجهة الشمالية الشرقية لريف الرقة، حيث المعقل الأساس بالنسبة له وبديل الموصل كعاصمة للتنظيم في حال توجه القوات العراقية نحو معركة استعادتها مع ما تؤكده التقارير الإعلامية عن حشود ضخمة من قبل الجيش والحشد الشعبي العراقيين لتحرير مدينة الموصل، وبكون المعركة في تدمر تشكل حملاً زائدا على التنظيم في الوقت الحالي بكونه فتح جبهة حلب، وجبهة الرمادي، وجبهة دير الزور، مضاف إلى ذلك المواجهات الميليشياوية الدامية بين داعش والنصرة في مناطق عدة من ريف دمشق وريف درعا، فإن المنطق كان يفرض أن يتم إخلاء المدينة مؤقتاً، لجهة امتصاص الهجوم الكثيف، وعدم الوقوع في الفخ المراد جر الجيش السوري نحوه، مع بقاء الاستخبارات العسكرية وسلاح الاستطلاع في الجيش السوري في حالة تأهب لرصد وجمع المعلومات عن تحركات التنظيم خلال الساعات أو الأيام القادمة لتوجيه الضربات الموجعة التي ستجبر من يبقى من التنظيم في المدينة على إخلاء موقعه. ومن تدمر، يحضر سؤال عن السبب الذي يمنع مجلس الأمن من اتخاذه إجراءات حقيقية بحق وسائل الإعلام المروجة للتنظيم وقوته، خاصة القنوات الخليجية التي تهلل لـ "انتصار داعش" في تدمر، وذلك باعتبار إن الدعم الإعلامي واحد من أساسيات دعم الإرهاب، ومن ثم لماذا لا يحترم هذا المجلس نفسه ويتخلى يوماً واحداً عن كذبه ويعمل على محاسبة النظامين السعودي والقطري على الدعم المباشر للتنظيم..؟، لكن القرار السوري الشجاع بالحفاظ على سلامة المدنيين والقوات، بإخلاء المدينة وجر التنظيم نحو معركة خاسرة قريبة يدلل على ثقة كبيرة من قبل الدولة السورية بما تملكه من قدرات، فالواقع إن وسائل الإعلام ستعمل على تصوير الأمر في سوريا وكأنه انتهى وستسقط دمشق بعد أيام وذلك على غرارا الشائعات التي بثتها وسائل الإعلام بعد دخو ميليشيا "جيش الفتح" التركية المنشأ بذات الإستراتيجية إلى مدينة إدلب، لكن هل غادرت القوات السورية خطوط القتال في إدلب وجسر الشغور، وهل انتهت المعركة هناك.. الإجابة على هذه الأسئلة تفضي إلى أن دمشق تمتلك ما ستقوله في تدمر بطريقتها.. والساعات أو الأيام القليلة القادمة ستحكم. الحدث - عربي برس      
التاريخ - 2015-05-22 8:23 AM المشاهدات 1004

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا