لم يكن الدواء بمنأى عن ارتفاع أسعار المواد والسلع بل ربما تصدر قائمة المنتجات التي حلقت أسعارها بشكل غير مسبوق ، فبعض الأدوية تضاعفت أسعارها إلى 400% ما أثر في قدرة المواطن ودفعه لتجنب شراء إلا ما هو ضروري وإسعافي جداً ، وما يزيد الطينة بلة وجود كميات كبيرة من الأدوية المزورة والمهربة في السوق المحلية حسبما أكدته نقيب صيادلة سورية
يقول المعنيون بالشأن الدوائي: إن ارتفاع سعر الصرف الرسمي كان السبب الأساسي والمباشر بهذا الارتفاع، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية وعدم قدرة المعامل على استيراد المواد الأولية للتصنيع.
في جولة لـ” تشرين “على بعض الصيادلة, حيث أكدّ أصحابها أن ارتفاع سعر الأدوية كان له تأثير سلبي فيهم، وأنه على خلاف ما يشاع فإنهم لا يحققون أرباحاً زائدة عن السابق, بل على العكس ما نتج أن حدث تضخم في رأسمالهم فقط .
على مراحل
الصيدلي شهرزاد أشار إلى أنّ الأدوية لم تعدّل دفعة واحدة ، وإنمّا على مراحل, أي إنه أصبحت تصدر نشرة جديدة كل أسبوع أو أسبوعين تتضمن سعر الدواء المعدل ، وحالياً يوجد 12 نشرة تعديل لأسعار الأدوية ،علماً أنه في السابق كانت هناك نشرة واحدة شاملة، لافتاً إلى أنّ الأسعار ارتفعت بشكل كبير حتى وصلت إلى 300- 400% .
وذكر شهرزاد أن ارتفاع أسعار الدواء أثر سلباً في الصيادلة من حيث مبيعاته, فلم يعد يشتري المواطن الدواء إلا الضروري والإسعافي جداً، علماً أنه بعد الارتفاع لم ترتفع أرباح الصيادلة بل في بعض الأحيان انخفضت، بينما ما حدث هو تضخم في رأس المال، سابقاً كنا نشتري طلبية الأدوية بقيمة 5 آلاف، بينما الآن نشتريها بـ 15 ألف ليرة ، منوهاً بأنه كلما زاد سعر الدواء قل ربح الصيدلي، علماً أنّ الصيادلة يلتزمون بالأسعار الصادرة عن وزارة الصحة.
على حاله!
بينما ذكر الصيدلاني عبدالله أنه عندما كان سعر الدولار التفضيلي 400 ليرة كان سعر الدواء رخيصاً وعندما ارتفع السعر إلى 700 ليرة بقي سعر الدواء على حاله ولم يتغير لأن التصدير كان مسموحاً للمعامل ، وتالياً كانوا يحققون ربحاً بفرق التصدير من دون الحاجة لرفع الأسعار ، لكن عندما ارتفع السعر التفضيلي من 700- 1250ليرة بالتزامن مع توقيف التصدير حينها وقفت المعامل عن التصنيع ولم تستطع استيراد المواد الأولية بسبب العقوبات الاقتصادية .
وبين عبدالله أنّ ربح الصيدلي بقي على حاله وهو نسبة 20% وعندما يتجاوز سعر علبة الدواء 2000 ليرة يقل ربح الصيدلي فلا يسمح له بهذه النسبة، مشيراً إلى ضرورة تعديل العبوات المطبوعة قبل تعديل الأسعار, لذلك يعمل الصيدلي على شطبها والبيع على السعر الجديد, وهذا ما يثير شكوك المواطن من دون معرفته بالأسباب، مطالباً المعامل بطباعة عبوات عليها التسعيرة الجديدة.
صعوبات المعامل
لأصحاب شركات ومعامل الأدوية رأيهم أيضاً, فهناك الكثير من الصعوبات التي وقفت أمام متابعة إنتاجهم خلال الفترات السابقة، “تشرين” تواصلت مع عدد من أصحاب معامل الأدوية الذين أكدوا أن من أهم المشاكل التي تواجههم حالياً صعوبة الشحن بسبب قانون قيصر المفروض على سورية ما يؤدي إلى رفع التكاليف أيضاً، وعن تهريب الأدوية إلى العراق ولاسيما الفيتامينات «سي – د والزنك» وخافضات الحرارة الخاصة بالأطفال والاسبيرين والباراسيتامول ولاسيما في جائحة كورونا نتيجة الطلب عليها وبيعها بأسعار مرتفعة هناك، أجابوا أنه لا صحة لهذه المعلومات إطلاقاً وأن لهذه المواد بورصة عالمية, حيث ارتفعت أسعارها عالمياً ، وأنّ شراء موادها الأولية بالقطع الأجنبي, ما أدى ذلك إلى عدم قدرة المعامل على إنتاج الأدوية لأكثر من بضعة أشهر فقط .
أصحاب معامل بينوا أنه عندما ارتفع سعر الصرف الرسمي إلى 1250 ليرة تم إبلاغ وزارة الصحة بكتب رسمية عن طريق المجلس العلمي الأعلى للصناعات الدوائية أننا كأصحاب معامل سوف نصنّع فقط ما لدينا من المواد الأولية لأنه لم يعد بإمكاننا الاستيراد من جديد بعد أن ارتفع سعر الصرف ثلاثة أضعاف تقريبا ، مؤكدين أنّ السبب الأساسي لارتفاع الدواء هو سعر الصرف، إضافة إلى إيقاف التصدير، لافتين إلى وجود مشكلة أهم وهي أن مخبر وزارة الصحة يعمل بعد كل تصنيع طبخة دوائية على تحليلها و الذي يستغرق شهرين وهذا غير معمول به عالمياً حيث إن المنتج وطني ومراقب وخاضع للتحليل سابقاً ، علما أن هناك 75 معملاً وإذا كل معمل ينتج طبخة معينة ويرسلها إلى الوزارة لتحليلها, كم مستحضراً يمكن أن ينتج بالشهر وكم المدة الزمنية للانتهاء من التحليل .
وختموا بالقول: هناك خطة لترميم قطاع الأدوية ومتابعة استيراد المواد الأولية اللازمة للتصنيع، علماً أن إجمالي معامل الأدوية في سورية 85 منها 90% بالخدمة حالياً وننتج أغلب الأصناف الدوائية .
المشكلة في سعر الصرف
بدورها نقيب الصيادلة في سورية الدكتورة وفاء كيشي أكدت لـ”تشرين” أنّ تسعير الدواء يتم من قبل لجان مختصة في وزارة الصحة وفق عناصر أساسية, أهمها سعر المادة الدوائية الذي يحول إلى دولار حسب السعر الرسمي ، والمشكلة هي الفرق بين السعر الرسمي 1250 والسعر الحقيقي في ظل عدم وجود تحويل حقيقي، وتالياً يتم التحويل بطرق خاصة من قبل المعمل وفرق الخسارة يكون حوالي 100% من سعر المادة الأولية ، علماً أنّ نصف هذا السعر لا يعوّض في آلية التسعير التي لم تلحظ أي نسبة لضمان الجودة وهي أساس صناعة الدواء من حيث تكلفة البحث العلمي والتجهيزات والمواد والعناصر البشرية التي يجب عدم إهمال دورها ، منوهة بأنّ كتلة العمالة 30 ألف عامل، وأنّ حجم السوق الدوائية 600 مليون دولار أي إنها توازي 1250 مليار ليرة حجم السوق المتداول محلياً .
المستوردات سنوياً
وأشارت د: كيشي إلى أن سورية تستورد أدوية بقيمة 40 مليون دولار سنوياً , أي ما يعادل 15% من السوق الدوائي ، وأنّ نسبة تغطية السوق المحلي من الأدوية المنتجة حالياً 85% ، وقد تراجعت قبل ذلك أثناء فترة الحرب إلى 75% لكن لم تشكل أزمة حقيقية لأن فقدان الأدوية كان لأصناف معينة وليس زمراً دوائية ، كاشفة أنّ الدواء المزور منتشر بكثرة وحيث لا يمكن التفريق بين الدواء المزور و المهرب ذلك لأنهما يدخلان بطريقة غير شرعية وغير معروفة المصدر وهذا يؤثر على الأمن الدوائي والاقتصادي ، لافتة إلى أنّ الجودة أساس الصناعات الدوائية حيث تكون ضمن مراحل خلال عمليات التصنيع في كل مرحلة حتى المنتج النهائي من خلال تحليل المنتجات في كل مرحلة، منوهة بوجود رقابة على الدواء في الأسواق عن طريق وزارة الصحة التي تأخذ عينات من أي دواء ينتج بشكل عشوائي من المعامل والصيدليات والمستودعات للتأكد من مطابقتها للمواصفات الدستورية .
تحكمها الكمية والمواصفات
نقيب الصيادلة ذكرت أن المادة الدوائية الموجودة في المستحضر الدوائي تحكمها الكمية, إضافة للمواصفات الموجودة في الدساتير الدوائية من حيث المواصفات الفيزيائية والكيميائية والجرثومية التي يمكن أن تكون محققة والتي تتحكم في تصنيع الدواء السوري وغير السوري ،وتالياً لا يمكن أن نقول: إن المادة الموجودة في الدواء السوري غير الموجودة في الدواء الأجنبي، مؤكدة أن استيراد المواد الأولية يتم من مصادر موثوقة, حيث يتم تحليها عند استيرادها و يعاد تحليلها وهي على مستحضرات جاهزة.
وزارة الصحة تتهرب
على اعتبار أن وزارة الصحة هي المسؤول الأول والأخير على ما وصلت إليه أسعار الأدوية من ارتفاع غير مسبوق ، كما أنها هي من تضع آلية التسعير لكل الأصناف الدوائية.
لمعرفة أسباب ارتفاع الأدوية تواصلت « تشرين» مع وزارة الصحة لأكثر من شهر وبشكل شبه يومي وكان الرد منها عبارة عن وعود خلبية أنها سوف ترسل للصحيفة استفساراتها .. إلا أن الانتظار كان سيد الموقف حتى تاريخ إعداد هذا الموضوع في تجاهل متعمد من قبل وزارة الصحة .
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا