طالب الجهاز المركزي للرقابة المالية المحامي العام بحمص بتحريك الدعوى العامة بحق المدير العام السابق لـ«السورية للغاز»، ومدير عام شركة محروقات السابق والمتعهدين صاحبي إحدى الشركات الخاصة المتعاقدة مع الشركة السورية للغاز لاستثمار الآبار الغازية في حقول شمال دمشق وربطها مع محطة توليد جندر.
وفي التفاصيل كشفت تحقيقات الجهاز وفقاً لتقريره التحقيقي رقم 25/خ.ب، ر.ع، ر. ف تاريخ 12/7/2020 «والذي حصلت الوطن على نسخة منه» المخالفات المرتكبة لدى الشركة السورية للغاز، والخاصة بوجود مخالفات بالعقد المبرم بين الشركة السورية للغاز وإحدى الشركات الخاصة للخدمات النفطية والمتضمن استثمار الآبار الغازية في حقول شمال دمشق «قارة والبريج» وربطها مع محطة توليد جندر. حيث تبين أنه تم تأهيل الشركة الخاصة لتنفيذ مشاريع الفئة الثانية وفقاً لبيانات غير صحيحة حيث ارتكبت الشركة الغش والتدليس وقدمت الهيكل التنظيمي للشركة لعمال لم يعملوا أبداً لدى الشركة وكانوا يعملون لدى شركة الفرات للنفط، كما تم تقديم ميزانية ممهورة بختم محاسب قانوني من دون إرفاق وثائق ومؤيدات تثبت صحة ما جاء بهذه الميزانية.
وكشفت التحقيقات عن قيام الشركة السورية للغاز بإبرام اتفاقية مع مؤسسة الإسكان العسكرية لاستئجار آليات واستجرار مواد لمصلحة المقاول وقيامها بالتمويل نيابة عنه، ويتحمل المسؤولية في ذلك مدير عام «السورية للغاز» لمنحه ميزة للمقاول على العارضين الذين تقدموا معه ومخالفته لنص العقد، إضافة لعدم عرضه موضوع الاتفاقية على المديرين القانوني والمالي بالشركة، عدا عن استجرار هذه المواد للمقاول بأسعار الادخارات المستودعية لمؤسسة الإسكان العسكرية حيث إن مؤسسة الإسكان لا تتعامل مع القطاع الخاص.
وتبين أنه وعند إرسال العقد للتصديق من اللجنة الاقتصادية تم إرفاق جدول تحليل أسعار أولي على أن يتم إصدار جدول تحليل أسعار نهائي بالكميات بعد انتهاء أعمال المسح الطبوغرافي حيث من الممكن أن تظهر بعض الأمور من شأنها تعديل الكميات إلا أنه تم تعديل جدول تحليل الأسعار بالأسعار والكميات، ما أدى إلى قبض المقاول مبالغ زائدة غير مستحقة واجبة الاسترداد بقيمة 28.3 مليون ل.س.
كما تمت إعارة مواد من مستودعات «السورية للغاز» للمتعهد لعدم قدرته على توريدها بالزمن القريب وحاجة المشروع لها من أجل التشغيل المبكر، ناهيك عن استجرار المحروقات لمصلحة المشروع بالسعر المدعوم، كما أوضحت التحقيقات أن المقاول قام باستجرار التربة الناعمة بطريقة غير شرعية.
كما لوحظ أنه وبتاريخ 10/4/2018 «دخول الغاز» عدم انتهاء المتعهد من موضوع الردميات وحماية الخط وهذا موضوع بغاية الخطورة كان على لجنة الإشراف التنويه له لأن خطوط الغاز يجب أن تكون محمية تماماً ومطمورة قبل إدخال الغاز.
وعدم قيام المقاول بالتوريد للمواد المطلوبة بموجب دفتر الشروط سواء المواد لزوم المستودعات أم المطلوبة للمشروع وهذا ثبت من خلال المراسلات الموجهة من «السورية للغاز» إلى الشركة علماً أن التوريدات تشكل ما نسبته 44 بالمئة من إجمالي المشروع، ناهيك عن قيام المقاول بتوريد بعض المواد خلافاً لالتزامه كبعض مواد الحماية المهبطية والإكسسوارات الميكانيكية، وهذا سبب عدم صدور شهادة الإنجاز الميكانيكي MCC وبالتالي الاستلام الأولي.
الأعمال غير المنفذة
وطلبت البعثة التفتيشية إلى مدير عام المؤسسة العامة للنفط تشكيل لجنة فنية من ذوي الكفاءة والخبرة في مجال مشاريع خطوط الغاز لدراسة العقد فتم تشكيل لجنة خبرة بتاريخ 16/1/2020 وقامت اللجنة بإجراء دراسة للعقد والاطلاع على المشروع وتسجيل العديد من الملاحظات كما حددت الأعمال غير المنفذة، علماً أن الأعمال المتبقية كبيرة والمشروع غير مستلم.
وتبين وجود مخططات هندسية تحمل شعار شركة أخرى مقدمة على أساس أنها من الشركة الخاصة، وأن هذه المخططات ذات تكلفة مالية ويتم الصرف عليها حيث بالعودة لجدول تحليل السعر تبين أن قيمتها حوالي 23 مليوناً، إضافة لعدم التسوية النهائية للموقع رغم صرف ما نسبته 100 بالمئة على هذا البند وكان المفروض من لجنة الإشراف توقيف مبلغ حوالي «5 ملايين» للاستكمال، فضلاً عن عدم تركيب صمامات بسبب عدم توريده ما يعني أن تشغيل الخط حالياً غير آمن، إضافة لعدم تشغيل الحماية المهبطية التي تحمي الخط من التآكل بسبب عدم استكمال التوريد ما يعني تقليل العمر التصميمي للخط وزيادة درجة الخطورة، وعليه فإن مشروع شمال دمشق حالياً يعمل بوضعية غير آمنة وبدرجة عالية الخطورة.
ذمم على المقاول
بلغت الذمم المترتبة على المقاول لقاء كل من غرامات التأخير على العقد بموجب قرار «السورية للغاز» بفرض غرامة تأخير بنسبة 20 بالمئة من قيمة العقد أي الحد الأعلى للغرامة، وتجاوز المبلغ غير المحصل منها 223 مليون ل.س، إضافة لسلفة لمصلحة الإسكان لم تصفّ بقيمة 2.1 مليون ليرة، ونحو 5 ملايين ل.س ذمة لقاء تلافي الملاحظات الفنية على تهيئة الموقع، و2.4 مليون ل.س ذمة لقاء رص الأرضية، و2.8 ل.س ذمة لقاء أعمال الردميات، و59 مليون ل.س لقاء فروقات أسعار المحروقات، و25.3 مليون ل.س لقاء صرف مبالغ غير مستحقة نتيجة تعديل جدول الأسعار، و2.1 مليون ل.س بموجب قرار وزير الزراعة نتيجة الاستجرار غير المشروع للتربة الناعمة، 27.6 مليون ل.س بسبب الصرف لقاء استجرار التربة الناعمة حيث تبين استخدام بقايا الحفر ونخله، و19.3 مليون ل.س رسوم متوجبة السداد لمؤسسة التأمينات الاجتماعية يضاف عليها 1.8 مليون ل.س للربع النظامي، بإجمالي تجاوز 374.6 مليون ليرة.
مسؤوليات
وحمل التقرير المسؤولية لكل أصحاب الشركة الخاصة عن الغش والتدليس من خلال تقديم بيانات كاذبة استخدموها لتأهيل الشركة بالتواطؤ مع مدير عام شركة المحروقات من خلال تقديم كتاب يتضمن أن لديه عقوداً منفذة تتجاوز المليار، وعدم الالتزام بدفتر الشروط وبتنفيذ المشروع «التوريد والأعمال المتعلقة بها» ما جعل خط الغاز شمال دمشق يتم العمل به من دون حماية وبدرجة عالية من الخطورة، إضافة لمماطلة الشركة وعدم قدرتها على تنفيذ المشروع بدليل صدور كشوف صفرية وعدة إنذارات موجهة من السورية للغاز وعدم قيام الشركة بوضع خطة عمل وجدول زمني لاستكمال المشروع «توريدات وأعمال».
وحمل التقرير المسؤولية لمدير عام شركة المحروقات السابق عن منح كتاب بأعمال الشركة الشاملة بشكل غير صحيح بناءً عليه تم تأهيلها، ولمدير عام السورية للغاز السابق عن إبرامه لاتفاق مع مؤسسة الإسكان العسكرية من دون عرض على الجانب القانوني والمالي بالشركة وقيامه بتمويل المقاول، وتأجيل حسم السلف على المقاول لقبل تصفية العقد، والموافقة على إعارته مواد من مستودعات السورية للغاز ليصبح رافداً للمقاول علماً بأن أحد بنود العقد رفد مستودعات «السورية للغاز» بمجموعة من المواد، إضافة لقيامه بتسطير كتاب للجيولوجيا بمضمون الاستجرار بشكل مناقض للواقع والموافقة على الصرف لكمية 12600 متر مكعب خلافاً للكميات المصرح عنها، وتسطيره عدة كتب للمحروقات «لزوم المشروع» من دون تحديد السعر مدعوماً أم صناعياً، وتقديمه عدة آليات مع محروقاتها للمقاول تم اقتطاع أجورها بشكل لاحق.
التقرير حمل المسؤولية للمدير المالي السابق للشركة «السورية للغاز» عن الموافقة على الصرف فيما يخص الاتفاقية المبرمة مع الإسكان وتأجيل الحسم على المتعهد.
وللجنة التأهيل عن الإهمال والتقصير لناحية التدقيق بالوثائق المقدمة من الشركة الخاصة والتي تم تأهيلها بناءً عليها إلى الفئة الثانية المسموح لها بتنفيذ مشاريع تصل إلى 3 مليارات ليرة سورية «ميزانية المقاول- كتاب مدير عام المحروقات- المعدات الهندسية- خطة ضمان الجودة وسياسية الأمن والسلامة»، واللجنة الدارسة للعروض الفنية عن التقصير بتدقيق العرض الفني المقدم من المقاول لناحية الجدول الزمني وقائمة المعدات، و لجنة الإشراف على المشروع لعدم تنظيم تقارير عمل يومية ما أدى لعدم إمكانية احتساب كمية المحروقات المستهلكة بالمشروع وكمية الرمل الناعم، وتعديل جدول تحليل الأسعار، وعدم التدقيق على الكادر الفني العامل بالمشروع من المقاول وتناقضه مع الكادر المقدم بعرضه الفني، والتراخي بمطالبة المقاول بإعادة المواد المستعارة من الشركة حتى تاريخ «الشهر الثالث 2020».
وحمل التقرير المسؤولية للعاملين لدى شركة – محروقات حمص «المدير العام- المدير التجاري» عن عدم الاستفسار من «السورية للغاز» عن السعر الواجب تسعير المادة به مدعوماً أم صناعياً.
وانتهى التقرير إلى اقتراح إحالة أصحاب الشركة الخاصة إلى القضاء المختص بجرم الغش والتدليس سنداً لأحكام المادة 3 الفقرة /ج/ من قانون العقوبات الاقتصادي والتي تنص «يعاقب بالسجن خمس سنوات على الأقل من غش الدولة بمناسبة تعاقده أو تنفيذه هذا التعاقد».
وإحالة المدير العام السابق لـ«السورية للغاز» للقضاء سنداً لأحكام المادة /11/ الفقرة /أ/ من قانون العقوبات الاقتصادي والتي تنص: «من نفذ مشروعاً أو خطة إنتاجية بغير الوجه المحدد لهما يعاقب بالسجن من 3 إلى5 سنوات»، والمدير العام السابق لشركة المحروقات بجرم الإهمال سنداً لأحكام المادة 363 من قانون العقوبات العام والتي تنص «إذا ارتكب الموظف من دون سبب مشروع إهمالاً في القيام بوظيفته».
كما اقترح التقرير إلغاء تأهيل الشركة الشاملة لثبوت عدم صحة الوثائق المقدمة من قبلها واستخدام مالكيها وثائق ثبت استخدام الغش والتدليس بها، وحرمان كلا المتعهدين مالكي الشركة من التعاقد مع جميع الجهات العامة لمدة خمس سنوات لما نسب إليهم في متن التقرير، وإلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لهما وعلى أموال زوجاتهما ضماناً لتسديد مبلغ 374.605.227 ل.س.
ووضع التقرير مخالفة المحاسب القانوني بتصرف رئيس مجلس المحاسبة والتدقيق «وزير المالية» لختمها على قوائم مالية لا تعبر عن حقيقة المركز المالي للشركة التي على أساسها تم تأهيلها.
واقترح التقرير فرض عقوبة الحسم من الأجر الشهري المقطوع بنسبة 5 بالمئة لمدة ستة أشهر بحق أعضاء لجنة التأهيل لتقصيرهم بتدقيق وثائق الشركة، وفرض عقوبة الإنذار بحق رئيس لجنة التأهيل لتأشيره على قرار تأهيل الشركة من دون تدقيق، وعقوبة الحسم من الأجر الشهري المقطوع بنسبة 2 بالمئة لمدة شهرين بحق أعضاء اللجنة الفنية الدارسة للعرض الفني لتقصيرهم بالتدقيق بالوثائق المقدمة وأيضاً بحق المدير المالي، وفرض عقوبة تأخير الترفيع بحق لجنة الإشراف.
مسار هذا التقرير أصبح بين يدي القضاء الذي سيكون له كلمة الفصل في تبيان حقيقة ما وصل إليه التقرير وإعادة الحق إلى أصحابه وإحقاق العدالة.