شبكة سورية الحدث


ملح بقلم الكاتبة ساره برهوم

ملح بقلم الكاتبة ساره برهوم

ملْح ...


ما من مرض مباغت كالفراق، قصص تنتهي فجأة و دون إنذار ، تستيقظ على رسالة معتادة تفتحها بلهفة تزداد كلّ يوم ، لكن -ولسبب مجهول يدعى النصيب - تكون صباح الخير متنكّرة بوداعاً ، و كلمة حبيبي تلبسُ ثوب اسمك الّذي أصبح بالٍ مذ وقعت في الحبّ ... تختلفُ ردّات الفعل،  قد نسمعُ صراخاً ، قد نرى دهشة وشرود يستمرّ لأيّام أو شهور،  قد يضايقنا صمت غير مفهوم وهي ردّة الفعل الأصعب،  و حسب المسمّى بالنّصيب يتمّ الفراق...  ستشعرُ بعدها بأعراض جميع الأمراض مجتمعة مهما بلغت قوّتك و مهما كان مدى جبروتك، على الرّغم من سلامتكَ فيزيولوجيّاً ؛ سيصبحُ فراشكَ الّذي لم تكن تستطيع أن تنام خارجه ،  قاسياً؛ يشنّ حرباً على عظامك التي تعاني هشاشة الحب، تسانده فيها الوسادة وأنتَ وحدكَ أعزل مع ذكريات كنت تظنّها جزء من قصّة لن تنتهي...  قد تغفو بعد هدنة مع قلبكَ وعقلك لساعة ترى فيها ألف حلم و ألف كابوس، قد ترى نفسكَ تُخرج لؤلؤة من البحر دون أن تتبلّل على أن يفسّر هذا كأمل بالعودة ،  ثمّ تأتي موجة تغرقك،  تتركك تتخبّط إلى أن يشاء الله و تفتحُ عينيك ويلتقطكَ شاطئ السّرير...  بينَ شعور بالفراغ،  الخمول، عودة معركة الفراش القاسي،  و النّقص ... شيء ما اعتدته ينقصك،  ينقصكَ سماع طنين محبّب ينذرُ برسالة تحقنكَ يوميّاً بالأدرينالين  المزيّف... 
كيفَ سأقضي عمري بلا دافع!  
سؤال ستسأله لنفسك كثيراً ، ولكنّك وحدك أنت من جعلت دوافع حياتك بيد الآخر،  أنت من رميت نفسك دون مسافة أمان،  فالاصطدام المحتمل قد حلّ و عليك التّحمّل ثمّ التّجاوز،  أن يموت أحدهم بعد رحيل أحد ضرب من الخرافات. 
ستشعر أن قهوتك مرّة حتّى لو كنت تشربها يوميّاً مرّة،  ستشعر بمذاقها مرّ علقميّ يبقى في سقف حلقك ليخنقك،  ستمشي بين النّاس ولن تلحظ إلّا ابتساماتهم،  الفراق يعطيك شعوراً بأنّ السّعادة تغمرُ الجميع إلّاك،  ستشعرُ أنّ الطّعام -إن تذكّرت أن تأكل- بلا ملح ومهما زوّدتَ ملحه لن تشعر بطعم ، فأنتَ الآن في وضع الفاقد لملح الحياة ، للشّريك بملامحه ، تفاصيله ، معاركه ، يوميّاته ، سُكّره ... وملحه.
ستخاف اللّيل والأغاني معاً ، إذ أنّهما القوّة الّتي لا تقهر إذا ما اجتمعا على عاشق ضعيف لا حول له ولا قوّة ، و ستترنّح مهزوماً فاللّيل أمامك و السّرير الشّرّير خلفك ، وأنت مَيتٌ ، ميت.
صداع ، آلام معدة ، وهن و أعراض جسديّة ، يفضّل الأطبّاء النّفسيّون أن تعانيها بدل أن تعانيها روحك حيث العلاج عقيم. 
و لأنّ الوقت هو الطّبيب الأعظم ، سيضمّدك من الخارج والدّاخل ، معيداً الورد لخدّيك و الحنّيّة لقلب الفراش المستبدّ ، و ستصلكَ رسالة جديدة قد تصل كلّ يوم و للأبد... و إن لم تصل ذات يوم فستكون أقوى من أنْ يصيبكَ مرض عابر ظننته يوماً ، عُضال... ويعودُ الملْح.

التاريخ - 2021-05-25 10:28 AM المشاهدات 1980

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا