شبكة سورية الحدث


القصيدة الشعبية الأولى في المفهوم القومي بجبل العرب

القصيدة الشعبية الأولى في المفهوم القومي بجبل العرب


سورية الحدث الإخبارية- السويداء- معين حمد العماطوري  
شكلت القصيدة الشعبية التي أطلقها الشاعر الراحل معذى المغوش قبل ما ينوف عن قرن، رؤية في تفعيل الدور الوطني القومي، بحيث دخل الأدب الشعبي الذاكرة الشعبية الوطنية واقتحم الساحة الإبداعية في جبل مع بداية عام 1825 ولكن كان لاستخدام الأدب الشعبي بوصفه محلي الإبداع والنشأة لفئة مجتمعية متنوعة ومتكاملة في النهج والانتماء، ضمن المفهوم القومي والبلاد تعاني من ظلم الاستعمار العثماني، صدحت أصوات ضد سياسة التتريك لتلتحق طلائع من جبل العرب بركب المقاومين الأبطال وتحقق الاستقلال ويرفعون العلم العربي في ساحة المرجة، ولكن يبقى السؤال، كيف يمكن دراسة معلومات تاريخية مرجعية توثيقية لتلك الأحداث إلا ضمن رؤية علمية جديرة بالاهتمام من باحث أجاد بما كتب وأحب لحظة الانتماء وهو يتنشق عبق وهواء الغرب، ليتخذ من نسائم حدائقه الغناء العزيمة والإرادة ويركب قارب البحث والدراسة العلمية في التوثيق التاريخي من خلال إحياء ذاكرة وطنية اطلق عنانها بكتاب اسماه /ذاكرة الثورة المجاهد متعب الجباعي 1920-1939/ ويبقى المؤلف الباحث المهندس"سميح متعب الجباعي" العين المبصرة في الأدب المقارن والناهل من معين المعرفة للتحقق من صحة وصدق المعلومة، إذ قبيل مناداة الشريف حسين بن علي بالثورة أوضح أنه بعد إرسال الجمعيّة العربيّة في دمشق مندوباً سريّاً وهو فوزي البكري ليعرض على الحسين فكرة قيادة الثّورة. بدأ الاتّصال بزعماء القبائل واجتمع لديه في مكّة حوالي أربعين ألفَ متطوّعٍ حيت أعلن الثّورة في العاشر من حزيران عام 1916 ولبّى النّداء كافّة العرب من مشرقها لـِمغربها ومن شمالها إلى جنوبها حيث قال الشاعر علي الجارم :
الملايينُ  فاقت  من  كراها ما تراها   ملء    الأفق  صداها*
*خرجت تبحث عن  تاريخها بعد أن تاهت على الأرض وتاها*
*حملت  فؤوسها    وانحدرت من    روابيها      وأغوار   قراها
وكان لأبناء الجبل الحصّة الوفيرة في النّضال الوطني ضدّ الاستعمار العثمانيّ، فقد لبّى نداء الثّورة حوالي ثلاثة آلاف مقاتلٍ من أبناء الجبل متّجهين نحو الحجاز للمشاركة بالثّورة العربيّة الكبرى وكان في مقدّمتهم: أسد الأطرش، عبد الله العبد الله، معذى المغوش، حمد البربور، فارس حديفة، وغيرهم وكان ذلك في كانون الثّاني عام 1917  وعندما وصل الثّوّار إلى العقبة لملاقاة جيوش الثّورة وقائدها الأمير فيصل بن الحسين القادم من الحجاز، رحّب الأمير فيهم خير ترحاب على روحهم الوطنيّة والنّضاليّة فردّوا التّحيّة في الوقت نفسه حيث ارتجل الفارس الشّاعر معذّى المغوش القصيدة الشعبية التي تعد الأولى في المفهوم القومي والتي تقول كلماتها: 
يا مير ما   ودها   سكوت  لازم     تزور بلادنا*
لا بد ع     جلّق   تفوت  وتشوف عجّ طرادنا*
عيال الجبل   حيّ   ثبوت   يفني العدى ملكادنا*
من مصر   لساحل بيروت  لنجد      لبغدادنا*
لأجلها   نـحيا     ونموت  ونحمي حمى اجدادنا
رجال العرب أهل البخوت  بالسّيف نبني امجادنا
وبعد ذلك اتّجه ثوّار الجبل وجيوش الثّورة نحو دمشق وأبلوا بلاءً حسناً، وكان إلى جانبه سلطان باشا الأطرش يوم دخل دمشق محرّراً لها من دنس العثمانيّين الأوغاد والثّوّار الميامين ينشدون مع الشّاعر معذّى المغّوش حُداءَه الذي تحوّل إلى أغنية تراثيّة قال فيها: 
وسّعوا المرجة  ترى المرجة لنا
وسعوا المرجة  لتلعب خيلنا
وفي هذه الأثناء توجّه سلطان الأطرش على رأس قوّة من الجبل لملاقاة الثّوّار عند بصرى الحرير وفتح الطّريق أمامهم إلى دمشق وكان الثّوّار قد اصطدموا بكمين وضعته القوّات العثمانيّة في منطقة الشّيخ مسكين فدمّروه تدميراً  كاملاً وراح أربعة عشر قتيلاً من العثمانيّين غير المعدّات التي دُمّرت وأزيلت تحصينات الجيش العثمانيّ، وتجاوز الثّوّار ملغماً  كانت قد لغّمته القوّات العثمانية فأبطلوا الألغام وتمكّنوا من اجتياز الجسر، ومن المجاهدين الذين شاركوا في إبطال  الألغام برجس نادر وفي منطقة الكسوة اصطدمَ الثّوّار بقوّة عسكريّة تركيّة وجرت معركة فاصلة بين الثّوّار والعثمانيّين تسمّى معركة تلول المانع  أنزلَ فيها الثّوّار خسائر فادحة بالقوّات العثمانيّة في الوقت الذي استُشهِدَ البعضُ منهم .وبعدها تمكّن الثّوّار وقوّات الجيش من الوصول إلى دمشق، وتقدّم المجاهد صالح طربيه ورفع العلم العربيّ فوق سرايا دمشق يرافقه كلٍّ من مصطفى الأطرش وسلطان الأطرش. وبدأت أهازيج وحداء النّصر من حناجر الثّوّار وهي تردد:
*عرش   المظالم   انهدم والعز طب بلادنا *
*راحت عليكم ياعجم        ذبح الأعادي دابنا *
                     *حنّا   حماتك   ياعلم       بأرواحنا  وأكبادنا *
وتابع الباحث التاريخي المهندس "سميح الجباعي" ضمن منجزه ذاكرة الثورة المجاهد متعب الجباعي 1920-1939/  بالقول: تمّ وصول قوافل الثّوّار وجيوش الأمير فيصل إلى دمشق في عام 1918وبعد خروج الاستعمار العثمانيّ ورحيله عن الوطن العربيّ، وإنهاء حقبة نضاليّة لأبناء هذا الوطن كانت المؤمرات تحاك من قبل دول الغرب والتي اُعلنت بمعاهدة سايكس بيكو عام 1916. ثمّ مؤتمر سان ريمو الذي أقرّ بتقسيم البلاد سنة 1920 ووضعها تحت كلٍّ من الانتدابين الفرنسيّ والانكليزيّ وفق ما يلي:
1- وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسيّ.
2- وضع العراق تحت الانتداب الانكليزيّ .
3- وضع فلسطين والأردن تحت الانتداب الانكليزي مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور.
لتبدأ مرحلة جديدة في الصراع مع الاستعمار الحديث إلى يومنا الحالي....
أخيراً يمكن القول إن إعادة احياء الأحداث التاريخية في رؤية متجددة تحدد مسار الوصول إلى الهدف المنشود بغية تغذية العقل العربي عامة وبشكل خاص الفئة الشبابية لإدخال علم التاريخ في ذهنيته، إذ قل ما تجد منجزاً علمياً يزخر بالمراجع، ولهذا تبقى ذاكرة الثورة السورية الكبرى زاخرة بالأفكار والمعلومات لتغذية الروح الانتمائية للوطن بسهوله وجباله وأرضه الزكية على يدي باحثين ارتبطوا بأرضهم ووطنهم وانتمائهم.

التاريخ - 2021-06-18 6:10 PM المشاهدات 2105

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا