#بقلم: أ. د. بثينة شعبان
لا شكّ أن ما تعرّضت له منطقة الشرق الأوسط في العقود السبعة الماضية يعود إلى استحداث الكيان الصهيوني أولاً، وإلى التواطؤ المحكم بين هذا الكيان وحركة الإخوان المسلمين، والاتفاق على الأهداف الاستراتيجية الكبرى بين الحركتين الصهيونية والإخوانية، مع دعم مباشر وغير مباشر من الدول الغربية، وقد كتب أكثر من إخواني سابق عن دور المخابرات الغربية في تأسيس وتشكيل حركة الإخوان المسلمين في الدول العربية، واستضافة قادتها في العواصم الغربية تحت عناوين إنسانية لا تمتّ للإنسانية بصلة.
فقد نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إي» ما يقرب من 13 مليون وثيقة سرّية على الإنترنت وجعلتها متاحة للعامّة، وكشفت الوثائق عن النظرة الأميركية للإخوان بصفتهم أخفّ الضررين، وتكشف الوثائق أن عدّة لقاءات تمّت بين الولايات المتحدة وممثلين لجماعة الإخوان المسلمين لم تتمّ تسميتهم، وقد حدثت هذه اللقاءات مع عدد من فروع الإخوان في عدّة دول عربية كالأردن وسورية وشمال اليمن والكويت، مؤكّــدين على ولاء هذه التنظيمات الفرعية للجماعة الأمّ في مصر.
والأمثلة أكثر من أن تحصى عن دور الحركة في بلدان عربية مختلفة في ضرب العيش المشترك، وخلق جوّ من التعصّب والتزمّت، واللجوء إلى العنف والتدمير في سبيل تحقيق أهدافهم، وأوّل هذه الأهداف زعزعة استقرار البلدان العربية، ومحاربة الأنظمة الوطنية والقومية والعداء المكشوف لأي صيغة وحدوية، كما أن الأمثلة كثيرة ومنشورة عن علاقة قادة الإخوان بالكيان الصهيوني، وتبادل الرسائل الودّية بينهم، والتأكيد على اشتراكهم بهدف تحويل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى العدوّ الأول للعرب بدلاً من إسرائيل.
وإذا أخذنا سورية كأنموذج عمّــا يجري في العالم العربي، فإننا نجد أن الإخوان المسلمين عملوا طوال تاريخهم على استكمال ما قام به العدوّ الإسرائيلي من حروب ضدّ سورية، فقاموا ببثّ الفوضى والقتل والدمار من الداخل، وشقّ صفوف المجتمع بنشر أفكار التطرف والتكفير ومعاداة النظام السياسي الوطني، والتصويب على العيش المشترك، واستهداف المسيحيين والآشوريين والسريان ودفعهم إلى الهجرة خارج البلاد. ولم تكن الفتن الدموية التي قاموا بها في الخمسينيات والثمانينيات والحرب الإرهابية التي تمّ شنّها على الشعب السوري عام 2011 من قبل المخابرات الإسرائيلية والتركية والأميركية والبريطانية إلا استكمالاً للمحاولة الإخوانية ضدّ سورية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وفي كل مرة يستخدم الغرب إرهابيي الإخوان المدججين بالكراهية والحقد والعنف تحت مسمّيات وعناوين مختلفة من دون أن تختلف أساليب القتل والتدمير، وإن تكن توسّعت هذه المرة لتشمل كلّ مؤسسات الدولة التعليمية والزراعية والصناعية والصحية، وقتل الكوادر، ودفع من لا يُقتل إلى الهجرة في عمل ممنهج لبثّ روح التعصّب والفوضى والكراهية، ولا شكّ أن الإخواني العثماني الجديد، والذي نصّب نفسه زعيماً لأخونة المنطقة والعالم، لعب الدور الأخطر في تشكيل وتشغيل هذه الحركة ضدّ سورية والعراق وتونس وليبيا واليمن ومصر وحيثما أمكن ذلك.
حين قرّر الشيخ نوّاف البشير مغادرة صفوف المعارضة في تركيا، والعودة إلى الوطن، وقال: لا توجد معارضة سياسية سورية في تركيا أو الغرب، ولكن توجد حركة إخوان مسلمين منظّمة ومموّلة ومسلّحة، تعمل من أجل تغيير هوية سورية إلى بلد إخواني تابع لإسرائيل وأطماعها. واليوم وبعد عشر سنوات من هذه الحرب يكشف الكثيرون الذين استُهدفوا خلالها ونجوا عن الخيوط الخفية بين أحداث الثمانينيات والأحداث التي بدؤوها عام 2011، وأنّ كثيراً من الأسماء قد تمّ البحث عنها، واستهدافها نتيجة الدور الذي لعبته في مقاومة الإخوان المسلمين في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.
ليس من الصعب على الباحثين المتخصّصين أبداً أن يثبتوا التوافق والتكامل بين الأهداف الصهيونية والإخوانية في منطقتنا، ولذلك فإن الأحاديث الرمادية عن التوافق والتعايش بين مجتمعات مدنية درجت خلال تاريخها على العيش المشترك والتسامح، وبين الإخوانيين والعثمانية الجديدة هي أحاديث إما مغرضة أو مغفّلة في أحسن الأحوال، ولا يمكن لمشروعين يعتمدان أسساً متناقضة أن يتعاونا تحت قبة برلمان أو سقف وطن إذ لا بدّ أولاً من الاتفاق على الأسس والأهداف المشتركة.
في هذا الصدد، سمعنا من الإخوة التونسيين، وعلى مدى السنوات الماضية، صعوبة العمل والتوصل إلى أي نتائج مرضية وحاسمة لمصلحة الشعب التونسي، وذلك لأن برنامج «النهضة» مختلف تماماً عن البرامج الوطنية والمدنية والعلمانية الأخرى، خاصة أن «النهضة» باعتبارها الذراع الإخوانية في تونس، اتّــسم عهدها بالإرهاب والفساد وتجنيد الإرهابيين من بين أعضائها وإرسالهم بالآلاف إلى سورية لقتل المدنيين الأبرياء، ومن هنا، ومن خلال المتابعة للشأن التونسي، قد تكون الخطوات التي قام بها الرئيس التونسي، قيس سعيد، مؤخراً، ضرورية ولابدّ منها من أجل التمكن من السير في طريق واضح المعالم ومحدّد الأهداف، وقد برهن التاريخ مرات ومرات أن الاسترضاء والمهادنات مع المتطرّفين بمن فيهم الإخوان المتصهينين في الأسس والمبادئ لا يوصل إلى حلول بل يضيع الزمن ويزيد الأمور تشتّتاً وتعقيداً.
ربما هو قدر تونس الخضراء أن ترسل إشارات عن التوجهات المستقبلية للمنطقة، فقد كانت حادثة البوعزيزي هي الشرارة التي تدحرج بعدها ما سموه الربيع العربي، في حين كان في الواقع، أو أريد منه أن يكون، جحيماً عربياً أحدث الدمار والقتل والتخريب والفوضى على البلدان التي أصابها، ولكن قد يكون قرار الرئيس قيس سعيد في 25/7/2021 إيذاناً مناقضاً ينفض غبار الإخوان عن أعين المتضرّرين، ويسهم في تحقيق وضوح في الرؤية تقود إلى بلورة الأهداف الوطنية والتخلّص من الرماديات وحسم الأمور، وعدم الارتكاز إلى المواقف التي تحتمل الوجهين تحت أي ذريعة كانت، لأن الوقت ثمين والشعوب متضرّرة، ولا بدّ أن يبدأ العمل بإيمان وقوّة واندفاع لتلافي ما خلّفته السنوات العجاف، والبناء على الأسس السليمة التي تضمن سلامة وازدهار الأوطان.
وبغضّ النظر عمّا تؤول إليه التجربة التونسية وإن كنا نتمنّى وندعو لتونس وشعب تونس بالتوفيق والخير فإن ما حدث يُقدّم درساً على الجميع أخذه بعين الاعتبار بأن الوضوح في المسائل الوطنية شرط لازم، وأنّ الغموض والتأرجح والادّعاء بالإخلاص والنزاهة لا يمكن أن تتساوى مع الصدق والشفافية والوطنية الحقّة الواضحة، ولا شكّ أن الخطر العثماني الإخواني اليوم هو الخطر الداهم على بلداننا العربية، وهو مناقض تماماً للسيادة والقرار المستقلّ والمصلحة الوطنية العليا.
لقد كشف العثماني الجديد عن نياته الحقيقية في إصراره على احتلال شمال قبرص، ولا شكّ أنه يحمل النيات ذاتها لشمال سورية والعراق وليبيا وحيثما تمكن من فرض وجوده وإرسال قواته، ولا شكّ أيضاً أن حركة الإخوان المسلمين تشكّل الذراع الأهمّ لهذه الاحتلالات والاختراقات، ولا بدّ من مواجهتها كخطر داهم لا يمكن السكوت عنه أو التعايش معه أبداً. السؤال هو: هل نعيش اليوم بداية صحوة لأحداث ربيع عربي حقيقيّ، وعودة إلى الركائز الوطنية السليمة، بعيداً عن محاولات التضليل والاصطياد في الماء العكر؟ كما كانت تونس إيذاناً لبرنارد هنري ليفي ببدء تطبيق نظرياته الخبيثة والمجرمة بحقّ شعوبنا، هل تشكّل تونس اليوم بداية الانقلاب الحقيقيّ على المشروع العثماني الإخواني، والعودة إلى القرار الوطني الذي تصيغه الشعوب بأنفسها، وإلى التيارات العربية العلمانية التي حقّقت نهضة حقيقية لشعوبنا وبلداننا، وصانت قراراتها الوطنية المستقلّة؟ هل ستشكّل تونس أول الغيث للعودة إلى المرجعيات السليمة بعد دفن كلّ محاولات التضليل المشبوهة، والتي اشترك بها كلّ أعداء هذه الأمة رغم ادعاءاتهم الكاذبة بالخلافات وعدم التوافق؟
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا