الموتُ البطيء
أشعرُ بوخزٍ في معدتي مُرفقٌ بِغثيانٍ شديد والذي جهلتُ سببهُ؛ لأتناساهُ بِكوبِ قهوةٍ أرتشفُ مِنها رشفةً أدخُلُها لِجوفي، لكن سُرعان ماخرجت قبل دخولِها
قيءٌ مُدمَّى، لم تقوى إثرُها قدماي على حملي؛ فرّحتُ اجثوا على رُكبتّي ويداي ترتجفُ بِلا توقف
بالرغم من إني لم اشعرُ بشيءٍ حولي سِوى الصدمة التي ازدادت بِها نبضاتُ قلبي..
هل يتقيأ المرّءُ دماً؟
مرَّ على هذا قُرابة الشهر ولم أُعطِ أيَّ أهتمام؛ لكني الآن أشعرُ بألمٍ بالغ يأكُلني مِن الداخل
أأحشاءُ المرءِ تتآكل؟
هممتُ للخروج؛ لِتناسي الأمر؛ ولكن سُرعان ما أفسد علي مُتعة الخروج؛ قيءٌ مُدمَّى من جديد.
طالَ الأمرُ على مدى الشهرين أخذتُ بِهِ موعداً مع الطبيب في نهاية الأسبوع الجاري؛ عائدةٌ بعد الموعد بِثلاثةِ أيامٍ مُحمّلة بتحاليل طبية تحوي الكثير من الرموز التي لم أفهمها وصورةً شُعاعية.
ليقولُ لي بِصوتٍ جازم: "مريضةُ سرطان"!!
من هولِ صدمتي لم أُدرك ما قد يفعلهُ المرء بهذا الحال
يثور أم يُهزم
كيف لهم التعايش معهُ، أن يتناسوه أم يعتبروه جِزءاً مِنهُم؟
أم إنهُم يقومون بإحتوائِهِ أم بالثورانِ عليهِ؟
كي يتآكلوا ليكون مصيرهم الفناء بعد عِدة أشهُر مُستسلمين بعيونٍ مخذولة!!
ليُتابع قولهُ:
"ستتلقين عِلاجاً كيميائياً في نهاية الشهر في المستشفى المعتاد".
لا أعلم لِما يطلقون عليها "جُرعةً كيمائيةً"؟؟
بدلاً مِن "جُرعةِ موتٍ مؤجل"!!
راحت تجري في عروقي تِلك الجُرعة الساخنة، تُرافِقُها حُمّى قوية كبركانٍ ثائر.
رُباه الألمُ لا يُطاق !!
استمر عِلاجي قرابة الشهر والنصف، فقدتُ بِهِ خُصلات شعري التي أُداعِبُها.
ففي الغُرفة التي كُنتُ أتلقى بِها عقاقيري تعرّفتُ على الكثيرِ مِن الوجوهِ الجميلة التي أهلكها المرض
تِلك المُستلقية تأخذُ العلاج بصدمةٍ كبيرة وكإنها تنطفئ، والآخرى تحاولُ خلق ضحكةً لكسبِ الحياة
وذلك العشريني قد أستسلم للتبغ ينفث الدُخان ببرودٍ تام غير مُبالي للوجع، وآخرٌ يصلُنا خبر وفاتهِ بعد صراعٍ دامَ لِثلاثِ سنوات.
بُتُ أعي تماماً كيف للمرءِ أن ينطفئ، ولكننا أقوى مِن كوننا على قيدِ الحياة.
نزيرة محمد زكي محمد
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا