سورية الحدث _ خاص
بقلم المهندس باسل قس نصر الله، مستشار مفتي سورية
عندما كنتُ سابقاً أقرأ اسمي دون لقبي العلمي كان ينتابني الغيظ واحزن بعض الشيء .. غلى أن حضرت محاضرة، لم أعد أذكر لا اسمها ولا موضوعها، وكل ما بقي منها في ذاكرتي هو سلسلة الألقاب التي تم تعريف المُحاضر بها.
فقد بدأ "عرّيف" المحاضرة بالقول: إننا نجتمع اليوم لنستمع الى محاضرة للأستاذ الدكتور فلان الحائز على دكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة "كذا" وهو يشغل منصب مدير برامج البحث الاقتصادي في مركز البحوث الاقتصادية في "كذا" إضافة إلى كونه المسؤول المشارك في البرنامج الاقتصادي العلمي في وزارة "كذا"، وهو كاتب الصفحة الاقتصادية في المجلة الاقتصادية في المجلة الاقتصادية العالمية .. الخ من الألقاب التي تجاوزت العشرة، ومنذ ذلك الحين أصبحت أتحاشى الألقاب "إلا من لقب مهندس".
الموضوع ليس في الألقاب بل في الخوف المتأتي عنها، فعندما تقوم بتعريف شخص ما بهذه الصفات، تجعل الذين أمامه يخافون من سؤالِه أو مناقشته، فمن هو الشخص الذي سيُناقش تلك الألقاب كلها والمهام التي قد يختفي خلفها المحاضر؟.
خلال سيري في شوارع المدينة أقرأ الألقاب العلمية على اللوحات المضيئة، فهذا زميل في جمعية الجراحين في بريطانيا وحائز على شهادة "يكتبون الحروف الأولى باللاتيني"، وذلك زميل في جمعية جرّاحي العظام في أميركا، وغيره حاز على شهادته من جامعات ومشافي فرنسا "أي أنه حسب فهمي قام بالدراسة في جامعات فرنسا كلها والتي يبلغ عددها اكثر من مائة جامعة وعمل في مشافيها كلها" وكلما كانت اللوحة التي تشير الى الطبيب زاخرة بأسماء الاختصاصات "مدروزة درز" كلما اقتنع المريض أن هذا هو من يبحث عنه، حتى أنه في إحدى المرات سمعتُ شخصاً يقول لرفيقه: "هل أنتَ متأكد أنه الطبيب المطلوب؟ إن لوحة إعلاناته صغيرة".
إضافة الى ذلك كله فقد أصبحت المناصب – مهما صغرت – مرتبطة بلقب الكتور "مهما كانت شهادة الدكتوراه ومهما كانت البلد المانح لها" فمن دكتوراه في الاقتصاد السياسي الى دكتوراه في سياسة الاقتصاد، ومن الادب الى الجغرافيا فالتاريخ ثم الموسيقا العربية وغيرها، ومن طولستان الى قصارستان مروراً ببلادِ الواق واق، المهم أن نحصل على شهادة دكتوراه لِتساعدنا في تسلقنا المناصب، والسلام.
أراد صديق لي أن يتابع دراساته العليا في إحدى الدول المشهود لها بالكفاءة العلمية، واستغرب صديقي أنه تم رفض منحة تأشيرة الدخول لدى مقابلته الملحق الثقافي، بحجة أنه لا يُجيد أساسيات اللغة، فبالله عليك صديقي أما كان عليك أن تسأل كيف تم الحصول على الكثير من شهادات الدكتوراه "علمية أو أدبية أو غيرها" دون أن يجيد الممنوح له غير العربية؟.
اللهم اشهد اني بلغت
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا