سورية الحدث
كيفَ حالُكَ أيُّها الغَريب؟
لعلّكَ لا تَفقهُ عن مُحدِّثَتِكَ إلّا فكرةً تتأرجحُ بينَ قِشرةٍ وَ قِناع!
إلّا أنّنا نتقاسَمُ عُمقاً يغوصُ في عُمقٍ لا عُمقَ يَصفهُ!
ألا وَ هُوَ عِشقُ الدَّرويش!
وَ الصّلاةُ بحروفِهِ خُشوعاً ما بينَ رَكعةٍ تَضلُّ الطَّريقَ عندمَا تَشعُرُ ألَا شيءَ يُعجِبَها وَ سَجدَةٍ تُحاول إحياءَ عصافيرٍ تموتُ رويداً رويداً في الجَليل!
فأنا يا سُليمان غريبةٌ على ضفة النهر , كالنهر … يَرْبِطُني باسم مجهولٍ لا تعريفَ لمنوالهِ!
أنا أليفةُ الخسارةِ التي لا يرجعها شيءٌ من بعيدها مهما اكتظَّت القوافي و حاربَت الأشعار..
لم يرَ الدَّرويشُ شيئاً يُومِضُ من ساحل الجَزْر والمدّ ما بين دجْلَةَ والنيل، في الوقتِ الذي أبصرتُ فيهِ أطلالَ نورٍ تترجَّى بقايا جفنٍ أو بؤبؤٍ يشهَدُ ولادةَ فجرٍ من رُكامِ النّسيان، على خشبةِ مسرحٍ مُقفرٍ بِلا جمهور!
سأخُطُّ لكَ مِن جَديد..
مَرحَباً سُليمان مَحمود الدَّرويش!
هَلَّا أعَدتَ النَّظَر في حبرِ أقلامك؟
لتعودَ عقداً للوراء فَتُجهض جَنيناً كان يتكوّر بتوانٍ في رَحمِ صفحاتِك، ليمسي الآن مولوداً يُبحِر بينَ قافيةٍ ثكلى تُقارع الموتَ و بيتِ قصيدةٍ مكلومةٍ تصارعُ الهلاك في حرفِ دواوينك؟
فنحنُ يا أنيسَ الخسارة نعلن انخراطِنا في أحضان المأساة ذاتها معتليين شفيرَ الهاوية بسرورٍ و عزمٍ و هناء!
فلا شيء يأخذني من فراشات حُلْمي إلى واقعي: لا الترابُ ولا النارُ . ماذا سأفعل من دون وَرْدِ سَمَرْقَنْدَ ؟ و ماذا سأفعل في ساحةٍ تصقُلُ المُنْشدين بأحجارها القمرَّيِة؟
صِرْنا خَفِيفَيْنِ مثلَ منازلنا في الرياح البعيدةِ يا سُليمان، ثَقيلين في ذات الوقت مثلَ قلوبنا التي تحمل الماضي و الحاضر و القادم بروحٍ مُتقلقلة تُنازعُ القلقَ فتارةً تجِدُها تصبو بشغفٍ للحياة، و تارةً تَجِدُها تَبحث عن وسيلة للانطفاء و الرَّحيل!
صرنا صَدِيقَيْنِ للكائنات الغريبةِ بين الغيوم و طَلِيقَيْنِ من جاذبيَّة أْرضِ الهُوِيَّة، فَهل من هويَّةٍ لِمَن لم تعترف المحطَّة بوجودهِ يوماً يا صَديقي؟
لا تُجِب على سؤالي يا سُليمان، فلربَّما كانَ وَقعُ الإجابة على مَسمعي قاتلاً، و نحنُ أحفادُ الدرويشُ نُقاتِلُ الموتَ و نأبى أن نموت، حتى و إن مِتنا.. فإنَّ أطلالنا راسخة حيَّة تتنفَّس الوقار و تلتقم الأبيّة، إن أحفادَ الدرويش لا يرحلون!
د.نتالي دليلة
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا