شبكة سورية الحدث


أرجوكِ عودي..أنا خائف..غوستاف..بقلم إيناس حايك

أرجوكِ عودي..أنا خائف..غوستاف..بقلم إيناس حايك

سورية الحدث

دلفتِ إلى داخل الحديقة وكنت أجرى ورائك، ها نحن على بعد خطوات فقط، بدأت أتعرق تمامًا كما أتعرق أمام وجهك المندس في لوحاتي، بدأ سرب من الفراشات يقيم طقوسًا في معدتي،
ها نحن على بعد ثلاثة خطوات.
تسري القشعريرة في جلدي، وتتساقط مني بعض حواسي، واللون العنابي يصرخ في وجهي، وجهي الذي تيبس وتجمد ماؤه رعباً من لقاء يجمعني بك، خطوة واحدة بيننا.
ها أنت تتلاشين شيئاً فشيئاً، تتفككين وتتطاير جزيئاتك سرب فراشات يطير نحو الشمس.
يتصحر حلقي، وأرمي نفسي في أحضان بقاياك، كمحاولة أخيرة لإمساكك، لكنك تختفين، تفلتين مني، دون أن تتركي أي أثر خلفك، يشهد على وجودك منذ لحظات أمامي.
وكما تجري العادة، نصيبي منك دائمًا فُتات مشاعر، فُتات امرأة، تركتِ لي ثوبك العنابي الذي كان يرتديك، أنحني وألتقطه من بين العشب، وبصعوبة أنتشل منه ذرات عطر دفنتها حالاً في رئتي لتتبرعم حديقة ورد من تفاصيلك.
استدرتُ لأعود أجرجر خيباتي، وقفت هنيهة أتأمل سلال الورد المرفوعة إلى السماء، الأولوفيرا الخضراء المغروسة في العشب المهذب، تمد أصابعها المجروحة للشمس، وقبل أن أغادر رأيت المسيح بجناحين كبيرين، بينما كان يصلب على الباب في تمثال حي، نظر إلي بدهشة كاد يقول شيئا لكنه لم يستطع، خرجت وتركته يصغي إلى زرقة السماء، غائر في أحضان زهور كثيرة.
كان يحزنني أن أغادر من دونك، لكن البقاء يؤلمني بشدة، أنا حزين، حزين ومتعب، البكاء وحده يشفيني، كما يشفي بكاء السماء أرض تتلوى عطشًا، ولأنني من الأرض والأرض مني فإن البكاء دائي ودوائي.
رحت أمشي وأتخبط في صراعاتي، بات هذا الحب يفزعني، يستنزفني، شعرت أن الشمس تنبض داخل جمجمتي، كهرباء في رأسي، لا أرى إلا دماء اللون العنابي، القليل من اللون الأبيض، والكثير من السواد.
وأخيراً يخيم الليل داخل جفوني وأرقد.
أصحو في سرير صغير لا يتسع لآلامي، أناس مجهولون يتحركون داخل الغرفة، يتحلقون فوق رأسي، يد تلوح لي من بعيد، إنه فيديل، جسدي محطم تمامًا لا أقوى على الحراك، بات الألم لا يحتمل، أصرخ: شيئا ما يلسعني في يميني، وأنام طويلا لأ صحو ثانية، يقترب مني فيديل، أنطق اسمك جاهدا بعد محاولات عدة، رأسي معصوب والدماء في كل مكان، كنت أضعف من أن أسأل عن الثوب الذي لم أجده.
يخبرني فيديل أنني مهووس بك، يعجبني الأمر فأبتسم، أسمع صوت سيليا بائعة الكتب عندما كانت تخبرني أن إفراطي في تمسكي بك "مرضي"، ويعود صوت فيديل راجيًا مني أن أتوقف عن مراسلتك.
سيليا تصرخ "أنانية"، والدي يخبرني أن النساء إذا صدقن يكذبن، يأتيني صوت آخر يتحدث عن الحاجة لجرعة مخدر إضافية،
تزدحم الأصوات، تزدحم الهمهمات وتعلو، لم أعد أدرك شيئا،
اختفى الجميع من حولي إلا أنت.
عيناك، والثوب العنابي، أقداح النبيذ التي تدق عبر الليل وتبدد صمته.
ها أنت تحدقين بي في خشوع من خلف النافذة، تطبعين قبلة على زجاجها، وتمضين بعيدا.
يقول فيديل أنك لم تأت إلى هنا، وأن كل ما رويته له محض هلوسات تسببها المهدئات التي تناولتها، وأقول لك يا شمس 
كنت على وشك أن أصدق أن سيارة دهستني وأنا في طريقي إلى الكنيسة، لكنني كلما حدقت إلى النافذة رأيت القبلة مازالت طرية كجلد طفل صغير.
عمتي ديلارا بجانبي، أعطتني ورقة وقلم كما طلب منها، ذهب تأثير البنج منذ قليل، يرعبني أن أتحسس عطرك في أرجاء الغرفة، ويرعبني أكثر أنني الآن أكتب وأنت تحدقين بي من خلف النافذة، نحن يا صغيرتي جميعًا مرضى نفسيون، لكنني وحدي أعي ذلك، وحدي أرى العقد تخرج من جلدي وتزحف تحته كالنمل، وأصمت.
أرجوك عودي ...أنا خائف

إيناس حايك

التاريخ - 2021-12-13 12:37 PM المشاهدات 2821

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا