أكدت نقيب الصيادلة في سورية د. وفاء كيشي أن عام 2021 شهد ارتفاعاً كبيراً جداً في أعداد الصيادلة المهاجرين، وتحديداً في النصف الثاني منه، وذلك بعد أن كان الصيادلة الفئة الأقل هجرة بين الكوادر الطبية التي – ربما – قد يكون قرار خدمة الريف أحد أسبابها، وليتحول هذا القرار، مع الوقت، إلى مشكلة قديمة نسبياً تم استشعار حجمها منذ حوالي خمس أو ست سنوات.
ونبهت كتشي إلى أن وجود حوالي 27 جامعة تخرّج آلاف الطلبة من كليات الصيدلة، سنوياً، أوجد نوعاً من معاناة الخريجين مع البطالة، بسبب عدم تمكنهم من تأدية خدمة الريف، وقد وصل الأمر عند بعض الخريجين إلى أن ينشروا، عبر “غروبات الصيادلة”، أنهم على استعداد للعمل عند أي صيدلي بعقد عمل “ببلاش”.. وفقط ليتمكنوا من تأدية خدمة الريف.
ولفتت إلى صدور قرار منذ حوالي أربع سنوات سُمح بموجبه لخريجين جديدين بتأدية خدمة الريف عند صيدلي واحد في الريف لديه ترخيص دائم.
وبينت كيشي أن النقابة اقترحت على وزارة الصحة السماح للخريج الجديد بتأدية خدمة الريف في المدينة، في الصيدليات الخاصة، مدة سنتين، إضافة لصيدليات النقابات والتأمين والمنظمات، كون هذا الأمر يفسح المجال لأكبر عدد من الخريجين الجدد بأن يخدموا في الريف، ويمنع في الوقت ذاته تواجد أشخاص غير مؤهلين في صيدليات المدينة. وأشارت إلى صدور تعميم تم من خلاله رفع أعداد الصيادلة المسموح لهم بتأدية خدمة الريف في صيدليات الريف التي تملك ترخيصاً دائماً إلى أربعة أو خمسة صيادلة في الصيدلية الواحدة، حيث وافقت وزارة الصحة على ثلاثة، الأمر الذي أفسح المجال إلى حد ما أمام الخريجين الجدد للعمل.
وأوضحت كيشي أن النقابة لا تطالب بإلغاء خدمة الريف، إلا أن المطلوب إيجاد حل مساعد لجهة السماح للخريج الجديد بخدمة الريف في صيدليات المدينة، كأن يتواجد في كل صيدلية صيدلي واحد أو اثنان على الأقل، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من الصيدليات في المدن، سواء في دمشق أو حمص وغيرهما، ما سيساهم بـ “حمل كتف”، ولاسيما وأن هناك صيادلة تخرّجوا منذ أكثر من سنتين، ولم يتمكنوا حتى الآن من تأدية خدمة الريف.
وأشارت د. كيشي إلى أنه جرى التواصل مع وزارتي “التعليم العالي” و”الصحة” لوضع خطة باستيعاب الخريجين الجدد، لأنه من غير المنطقي “تخريج صيادلة ورميهم في الشارع”، مضيفة أن الوقت قد حان لتوقف الجامعات عن استقبال أعداد جديدة من الطلاب ولو مؤقتا لأن “كليات الصيدلة باتت مجرد كليات للتفريخ لا أكثر”، حسب تعبيرها!
بدورها، تحدثت د. منار ربيع العلي، مديرة المنصة الدوائية السورية (وهي منصة تُعنى بمتابعة مختلف القضايا الطبية)، عن معاناة الخريجين الجدد بسبب خدمة الريف التي باتت تشكّل مأساة لمعظمهم، موضحة: هناك أكثر من 750 خريجاً فقط من جامعة دمشق لوحدها، فكيف ستتمكن كل هذه الأعداد الضخمة من تأدية خدمة الريف؟ .. هذا قرار غير منطقي ضمن المعطيات الحالية للمهنة، خاصة في ظل الظروف الحالية، وما خلّفته من عبء ومعاناة كبيرة يتكبدها الصيادلة، وتحرمهم من مزاولة المهنة ضمن المدينة، إضافة لعدم توفر المال اللازم لدى معظم الخريجين لتأسيس صيدلية في الريف، وعدم توفر الشاغر، أو صيدلية لإنجاز العقد معها!
من جهته، أكد نقيب صيادلة ريف دمشق، د. عصام مرعشلي، أن من الصعب حل أية مشكلة دون حل أسبابها، مشيراً إلى مطالبة الصيادلة خلال مؤتمرهم العام السابق بإيجاد حل جذري لمشكلة خدمة الريف، خاصة مع الزيادة العشوائية في أعداد الصيادلة، مؤكداً أن هذه المشكلة لم تُؤخذ على محمل الجد بعد، حيث كان مضمون الجواب الذي تلقيناه في حينها أن “الحل يحتاج إلى تعديل قانون خدمة الريف”، مشيراً إلى أن العمل ما زال قائماً حسب القانون رقم 8 لعام 2008، ونحن الآن في عام 2022، والجميع يتحدث عن التضخم الحاصل بأعداد الخريجين!
وأشار إلى أن الجواب الوحيد والدائم لدى سؤالهم المتعلق بتعديل هذا القانون، هو، كالعادة: “تم الطرح من قبل نقابة صيادلة سورية، وتمت مخاطبة وزارة الصحة، ويتم العمل على إعداد ما يلزم”، مبيّناً أن كل هذه الخطوات قد أنجزت منذ أكثر من خمس سنوات من الآن، ولا نتائج مفيدة على أرض الواقع، علماً أن هناك موافقات من قبل الوزارة، لا بل تم إعداد صيغة شبه نهائية للقانون، ولكن فجأة توقف الموضوع بالكامل وعدنا إلى نقطة الصفر. لذلك – شدد مرعشلي – نطالب بتحديد مدة زمنية بشكل دقيق تفضي إلى تعديل القانون، وبيّن أن التعديل المطلوب هو إضافة بضع كلمات للفقرة” ب” من المادة 3 للقانون، أي “خدمة الصيادلة العاملين في صيدليات مرخصة لمدة سنتين بخدمة الريف بعد الحصول على الترخيص المؤقت”، بضع كلمات يحتاجها التعديل كفيلة بإحداث تغيير كبير في المهنة، ما سيعيد لها الكثير مما فقدته.
يبقى السؤال الأهم: هل سنشهد حلولاً جذرية لهؤلاء الخريجين، أم سنترك المشكلة لتتضخم أكثر حتى نفقد السيطرة عليها ونقوم بملء إرادتنا بتفريغ البلد من الكوادر الطبية التي بات حلها الوحيد الهجرة ومغادرة البلد؟!.
البعث