سورية الحدث
اسمحي لي أن أُخاطِب العظيم "إيليا أبو ماضي"
و أبوحَ لهُ بعشقي لكِ و نقاطِ ضعفي التي تُومِئ جميعها إليكِ
عزيزي إيليا..
سأتّخذُ منكَ خليلاً و رفيقاً يا مَن يتوسَّطُ جثمانهُ بقايا الثّرى
و سأقفُ عند حُرمةِ قبركَ مُتعرّيةً من كلّ مخاوفي و أحزاني!
لقد جِئتَني في أحلامي
منذ رفّةِ جفنٍ و دمعة
عندما كنتُ أحاول دهسَ مشاعري فهي تؤذيني أكثَر من اللّازِم
و همَستَ في أذُني:
"أيقظ شعوركَ بالمحبّة إن غفا..
لولا شعورُ النَّاسِ كانوا كالدُّمى"
عندما يتعلَّقُ الأمرُ بأمّي
أتمنّى أن يغفو شعوري في أحضانِ غيبوبةٍ لا مهربَ منها إلّا إليها
أتمنّى أن أكونَ دُميةً يا إيليا!
دميةٌ أو لوحةٌ جداريّة..
أو مزهريّة!
عزيزي إيليا..
أقفُ عند حُرمةِ قبركَ و أبكي بحبر قلمي
الذي لن يجفَّ طالما بقيت أمّي حيّة..
فهلّا بُحتُ لكَ بما يُدمِعُ عينيَّا؟
أخافُ عليها!
أخاف عليها يا إيليا..
أخافُ أن يخطُفها العُمر من بين يديَّا!
سُنَّةُ الحياةِ و الكونِ
تقتضي أن تُغادِرَ الفتاةُ كنفَ والديها في يومٍ من الأيّام
فتتزوّجُ و تصبحُ بدورها أمّاً و زوجةً و ربّةَ منزلٍ
و لربّما عاملةً و موظّفة إداريّة..
فيبقى عشقُ والدتها محفوراً في أنفاق الفؤاد
و تقلُّ زياراتُها و ينقص اهتمامها سنةً تلوَ الأُخرى يا إيليا..
تصبحُ زيارةُ أُمِّها التي أهدَتْها سنينَ عمرها
مكللّةً بالحبِّ مشرّبةً بالتّفاني
روتيناً مملّاً و واجباً إنسانياً أسبوعيا!
هذا ما شاهدتهُ عينيَّا!
أمّا عنّي؟
فسأتّخذ من أمّي ابنةً ليَّا!..
سأربّيها في دفء أحضاني كما غمرتْني في بحار عطائها جاثمَين على ضِفافِ الكلفِ يا إيليّا!
سأمشّطُ بعبقِ أنفاسي شَعرَها الذَّهبيَّا..
و أرتّبُ بِودادِ جوارحي ثَوبَها الورديّا
و أصلّي لأمانِها و سلامِها حتى توافيني المنيّة!
سأصلّي كي يخطفني شبحُ الموتُ قبلها يا إيليا!
كي تقومَ يداها بدفني فأوارى الثّرى.. مودّعةً البريّة..
سأصلّي كي نعيشَ سويّة..
و أموتُ وحدي..
لأنَّ الموتَ لا يليقُ بأمثالها يا إيليا!
و بما أنّهُ حقٌّ مفروضٌ على البريّة
سأغادرُ قبلَ أن تُدركها المنيّة..
لكن كيفَ سأكافئها..
و لستُ أقوى في ناصيتها
على لقاءٍ مع شعرةٍ رماديّة؟
لستُ أقوى على بلوغِ يومٍ تصبحُ فيهِ عجوزاً راجفةً محنيّة!
كيف سأكافئها..
و لم أعتَد أن أرَها إلّا شابّةً قديرةً قويَّة!
أبإمكاني أن أُهديها من عُمري عمراً
و من نصفي نصفاً يا إيليا؟
أو أغترفَ السّنين فتتجرّع الشّيبَ مِن جسدي
و يتجمّدُ الزَّمانُ في حضرةِ روحها الأبيّة؟
أيا ليتَ أمّي تعيشُ حياةً أزليّة..
آهٍ وَ ألفُ آهٍ يا إيليا..
كم أتمنّى أن أكونَ دُميةً
أو لوحةً جداريّة..
أو مزهريّة!
د.نتالي دليلة
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا