شبكة سورية الحدث


اختلال ضال

اختلال ضال

سورية الحدث _ محمد عمر محمود آغا 

جاء الدجى في غير وقته، والشمس في أوج شروقها، الربيع تغير حاله، فأعطى الأيام خريفها، البحر قد سُلِب بريقه، و المرجان جفت شعابها، الرياح باتت أعاصير، يعج بالسموم هوائها، بالله ما هو المصير؟ وإلى أين الحياة ذاهبة؟
الضياء معدوم، في محكمة متقاضية، والحال غير مفهوم، في أيام مضنية، مهما زادت العلوم، في هذه الدنيا الفنانية، يبقى الشر ملغوم، وكأنه النتيجة النهائية،  الظنون لن تشفع للحقيقة، و عقارب الساعة تبتلع كل دقيقة، وكأنها مجاعة نأكل لحم بعضنا، وما طاب تمزيقه، وفي النهاية نقول طوبا لنا، نحن خير ناس بين الخليقة، 
ما هي النهاية؟ وكيف بدأنا؟ والضياع مصيرنا، حتى وإن عدنا، ومن يرشدنا، نُدمَى ومن يسعفنا، نُدفَن ومن يشيعنا، نُدثَر ومن يذكرنا، كم هو مرير حالنا، ومجدنا فارقنا، وبات الفراغ يتملكنا، ورفعنا من التفاهة حتى صار شئنها أعلى من شأننا، فيا حسرة علينا وعلى مستقبلنا.
الظلام قد سلب من المدينة رونقها، فالوجم هو حالنا، وكيف سيكون حسابنا، آلاف من الخيبات والسيئات تصارع حسنة، الأبجدية تقف مكبلة أمام المقصلة، فأي تبرير يشفع للمعصية، بعد ألف تحذير لن تضبط الناصية، فهنا تسقط كل محافل التبرئة، فالشر تلبس الذات ولا مجال للتجزئة، فجميع الأجزاء شاهدة على جرائم فعلناها بحق ذواتنا، جعلت أيامنا سوداء قاتمة، و نبكي على أموتنا ولا نتعظ، فلا البكاء يعيد الميت، ولا الندم سيجدي نفعاً، القبر ضيق يكفي طمعاً، فلنفتكر ألا يكفي كم ذقنا جزعاً، من الضياع بنينا صرحاً هشاً لا عماد لهُ، قضينا الأيام تفاخر ولهو، وقلنا فرصنا قليلة ضاعت سهو، فالنصيحة صارت لعل الله يصلحكم وتهتدوا، فالنصيحة عارية دون عمل، الحياة فارغة دون أمل، ودون الطموح الحياة لا تحتمل، فالتغير يبدأ من الداخل وليس ببضعة جمل، طريق الخير واحد ومع ذلك ضُل، غُررنا بسواد لاحق يفتك بلا عدل، وحالنا كطرائد تفترس وتهيئ نفسها للقتل، فالمضمون تصفه العيون وكل إناء يدمى لما فيه، الملامح خادعة سواد الروح بالنفاق تخفيه، ومنذ متى والدَين ينتظر أن نوفيه، نقضنا كل عهد ودين وصرنا من فئة الماكرين، مانعين متمردين حتى على أنفسنا فبتنا منفصمين، عن واقعنا وللزيف عاشقين، بالله ألسنا بضالين؟ 
التطور أسكننا القعر، و الوهم يشعرنا بذعر، أرقام التفاعل تحدد السعر، وما أبخس العهر، فيجعل شعور النقص كنيران تستعر، فبات التعاطف بكلمة أو بصورة، والقضايا منحورة، رؤوسنا مدثورة، ضمن نطاق هواتفنا محصورة، وعزتنا مكسورة، والكرامة ليست بالضرورة، فعقولنا ضمن قارورة، مرمية ببحر الضياع مأسورة، فهذا ما يسمى تطور هدم المعمورة.
لم يعد الغراب يدل على وجود جثة، ورغم التشابه ولكن هنالك فرق بين الفراشة والعثة، فبداخل كل منا غراب يتغذى على الألام، والفراشة تتلقى العذاب بأعاصير الأحلام، فلا يغرك الجمال ففي النهاية هي حشرة، ولا تربطه بالشؤم فهو يتغذى على اللحم، ولكن أين نحن من إيقاع اللحن؟
بماذا نرتبط، وعلى ماذا تدور عجلة الفهم، هل هنالك بصيص نور، ليدحر هذا الظلام القتم، أم كل شيئ مبتور، أمام شئم يقيد حلم والصراع قد حلق بشراع ممزق ليثبت بأنه ايضاً يطير، ومن نقصه سيشرق من جمال مقطوع النظير، وشئم يحرق كل الآمال، فما الأمر إلا مرآة للمقارنة بين الخير والشر، الحلو والمر، ولكن بمفاهيم مرسخة بطبائعهم، فقتل الجمال معصية، وقتل الشئم فضيلة، فالفراشة تطوف بين الأزهار، والغراب يحلق بين القبور ومحافل الدمار، ولكل منهم دلالته، فشمولية التصنيف مرعبة، فالطفرات تصنع الفروقات حتى ولو كانت بنسب قليلة، فنحن احياء فقط لأن ليس بيدنا حيلة، فأرواحنا مهمشة وبصيرتنا مشوشة، وكل مطامحنا للغة الدثر مدبلجة، فغيظ ملئ الحشا يصهر الذات، ليصنع غربة في الجسد وشتات، حتى نصبح رماد وفتات، يقتات علينا الغربان والحشرات.
لم تعد تكفيني عُزلتي ولن تعفيني الخيبات، وكأني جدول تشطبني السيئات، وكأني معول أحفر في صخر عقولهم بكلمات، ‏وكأني إبرة صدئة أخيط الجروح دون مهدئات، نعم صراحة دون مغيرات، أنا من ينظر للصورة دون مجملات.
أردت أن أحرق مبادئي كي أصبح مثلهم ولكن لم أجد وقود، فهو محتكر تحت وشاح ألف لعين حقود، أردت أن أخنق عواطفي، أفتح الغاز المنزلي وأذهب إلى عالم غير عالمي، ولكن الغاز  مفقود، أردت أن أهاجر بأحلامي 
 ‏ولكن دون تأشيرة، لم أصل حتى إلى سريري، فحاصرني ظلامي، أردت أن أسد جوع معرفتي، فرأيت شريطاً أسود على الخبز وصار غائب عن طاولتي، فاقتنعت بأن رغبتي مكبلة، وحنجرتي مثقلة، وحيلتي مبتورة بمقصلة، وأنتظر حكمي من بضعة دمى، فصرت مجنون ملعون مفتوك مظلوم، مسجون بواقع من الرحمة محروم، فقط لإني لم أسقط أو أتغير، لأني رفضت أن أدثر أو أن اُسيّر، ومن يرفض حكمه موجود مدبر، خانع مرتد، ميت مسود، آثم قصاصه حد.
وهل يقتصر الموت على من يعانق الثرى، ها نحن قتلنا بعضنا بعضاً بغيبة، ولكن التاريخ لا يذكر مثل هذه المجزرة، بالله ماذا تسمي هذا الحال، برأسي ألف سؤال، وألف قيل وقال، وملكان على ميمنتي وميسرتي دوماً في جدال، وأفكاري دوماً في سجال، وآمالي فقدت في عملية احتيال، وللعالمين صرنا أقبح مثال، فبإمكانك أن تسمي حالتي اختلال ضال...

التاريخ - 2023-01-06 3:16 PM المشاهدات 682

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا