توقّفتُ عن عزفِ الكمانِ لسنواتٍ عِدّة، لأنّ المرأة التي صنعَت هذا العازفَ المشهورَ، الذّي يترقَّبُ جمهورَهُ مؤلّفاتِه الموسيقيّةِ لأيّامٍ، قد أغمضَتْ عيناهَا إلى الأبدِ.
طيفُك بكلِّ جدارٍ على المسرحِ، شُلّت حركةُ يدايَ عن العزفِ، لِفقدهَا يداكِ الحَنونةِ ، تذكّرتُكِ حينَ صعودِي أوَّل مرَّةٍ على خشبةِ هذا المسرحِ، قلتُ لكِ: بيديكِ اليُمنى مَشيتُ أُولَى خُطواتِي بهذا الدّربِ الطّويلِ، ويدكِ اليُسرى كانتْ عُكازاً حين أتعثَّرُ، والاثنانِ معاً يُشكِّلان أقدسَ مكانٍ لرأسِي لأخذِ استراحةٍ من ضجيجِ أفكارِي وانعدامِ التّعبِ.
تبلورَ حُبّي للكمانِ من جديدٍ، بعد إيمانِي أنّ نسيانَكِ من المستحيلاتِ الثّلاث ،وضعتُ ملحاً على جُرْحي، وألَّفتُ مقطوعةً موسيقيَّةً على تردُّداتِ صوتكِ أسميتُها باسمكِ
" شغف " .
حتّى كمانِي ظهرَت عليهِ آثارُ الحزنِ، فأوتارهُ لم تنتظِمْ منذُ فقدانها رعايةَ يديكِ.
صعدتُ أمامَ الملايينِ لإحياءِ ذكراكِ، غَزتْ ملامِحُكِ وجوهَ الحاضرينَ.
كُنتُ مترنِّحاً من فَرطِ الحنينِ، بدأتُ العزفَ بصعوبةٍ دونَ اكتراثٍ للتّصفيقِ ، أغمضتُ عينيَّ حتّى انتهاءِ المقطوعةِ، وفي ختّامِ الحفلةِ، اعتدتُ أن تَعتَلي خشبةَ المسرحِ وتغمُرينِي بكلِّ حنانٍ وسلامٍ، القُشعريرةُ أصابتْ جسدِي، فبكيتُ أمامَ الملايينِ الذّينَ صفّقوا بحرارةٍ لِما صغّت آذانهُم، الّتي كانتْ ممزوجةً بالحبِّ والّلهفةِ والقوّةِ والضّعف والحنينِ والشّوقِ والألمِ.
بعد سنينٍ من الغيابِ قطعتُ وابلَ أسئلتهِم عن المقطوعةِ الجديدةِ
"غابتْ شغَف فَانطفأَ النُّورُ من العينِ والرّوحُ
وانحنائِي ليسَ لكُم بل إجلالاً لعظمةِ شغَف .
ريم القاضي
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا