سورية الحدث _ خاص
كل المؤشرات والأحداث الدائرة والمتسارعة والتي تدور أحداثها في داخل الكيان الصهيوني وخارجه، تشير إلى انهيار البنية التحتية وقرب نهايته خلال السنوات القليلة القادمة.
سبق وتحدث الزعماء المؤسسون للكيان الصهيوني منذ أكثر من سبعين عاماً حول نبوءة زواله، وربما استند هؤلاء للروايات والأساطير الدينية ومعتقداتهم التلمودية.
وبرغم ما يمتلك الكيان الصهيوني من قوة عسكرية ضاربة وترسانة نووية، فإنه يعد من الدول المصدرة للسلاح والتكنولوجيا وللطاقة والغاز والمعدات الزراعية ولديه انتعاش اقتصادي، ويتلقى دعما مالياً ولوجيستياً غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الغربية، ومع ذلك هنالك أسباب قوية تدفع لانهيار الكيان الصهيوني الغاصب وزواله من الوجود ومنها أسباب داخلية وخارجية:
فالأسباب الداخلية: تعود لتركيبة وبنية التجمع الصهيوني الهش، وعدم وجود العدالة الاجتماعية، ومازال التمييز العنصري والطبقي قائما فيه برغم محاولة فلاسفة الصهاينة والمفكرين لجعله في بوتقة واحدة تحت مسمى القومية الصهيونية.
لقد انعكست هذه الصفات العنصرية المتطرفة على شخصية قادة العدو الصهيوني، حيث وصلت بهم الأمور إلى مرحلة جنون العظمة والغرور والغطرسة من خلال تصريحاتهم الخيالية، والإفراط بالتسليح واستخدام القوة العسكرية بالبطش والإجرام وارتكاب المجازر في المجتمعات العربية التي حولهم، واحتقارهم لشعوب المنطقة والعالم وبما فيهم اليهود المناهضون للصهيونية، بل ذهبوا أبعد من ذلك عندما أباحوا لأنفسهم تطبيق قانون هانيبال، والذي يجيز للجيش الصهيوني قتل العسكريين من أبناء جلدتهم خشية من وقوعهم أسرى بأيدي أعدائهم، والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هو تفسير ما قامت به القوات الصهيونية يوم 7 تشرين الأول 2023م، بقتل المدنيين الصهاينة الذين يشتبه بأنهم رهائن أو وقع منهم بالأسر؟
هذا الغرور والعنجهية والغطرسة الصهيونية أدت بقادتها استخدام السلطة المطلقة وسوء إدارة الكيان، وتجيير القوة العسكرية وشن الحروب على العرب من أجل مكاسبهم الشخصية والتغطية على ملفات فسادهم.
أما الأسباب الخارجية: فهي عدم قبول العرب لكيان غريب في داخل الأمة العربية ومحيطها الإسلامي وهو مختلف عنهم كلياً، ويعمل بالوكالة عن الاستعمار والدول الامبريالية بتمزيق الصف العربي، وهناك دول كثيرة بالعالم الحر ترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني.
بدأت عملية انهيار الكيان الصهيوني بعد الضربات الموجعة التي تلقاها بحرب الاستنزاف في أواخر الستينيات، في أثناء ذلك وقفت غولدا مائير رئيسة وزراء العدو الصهيوني في تلك الفترة، متحدثة بكل غرور وعنصرية متحدية القرارات الدولية، وعبرت عن رفضها لأي صلح مع الدول العربية، أو حتى أي فكرة تفاوض مع العرب، وكانت تتفاخر بقوة الجيش الذي لا يقهر، مع العلم بأن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات عرض على القيادة السياسية الصهيونية السلام أبان استلامه لمقاليد السلطة في مصر عبر وسطاء دوليين، حيث جاء الرد السلبي من غولدا مائير والمتمثل بالعنجهية والغرور والعنصرية التي استهدفت شخصية الرئيس السادات وهيبته، فجاء الرد المزلزل في حرب السادس من تشرين الأول عام 1973، عندما شن الجيشان العربيان المصري والسوري هجومهما المباغت على جبهتين منفصلتين في سيناء والجولان لاستعادتهما من العدو الصهيوني، على أثر احتلالهما في حرب الخامس من حزيران عام 1967م، وبعد بدء المعركة في تشرين التحريرية انهارت أسطورة ومعنويات الجيش الصهيوني الذي لا يقهر بعد ست ساعات من اندلاعها، تكبد فيها جيش العدو خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، وفي نهاية الحرب سقط حوالي /3000/ قتيلاً من الأفراد الصهاينة، و/600/ ضابطاً، وعدد الجرحى /20000/ جريحاً، وتم تدمير حوالي /1000/ دبابة، وإسقاط /250/ طائرة مقاتلة ومنها مسيرة، وجاءت الهزيمة مدوية على غولدا مائير وحكومتها العمالية ونتيجة للضغوطات التي مورست عليها بسبب فشلها وفشل وزير دفاعها المجرم موشيه ديان في إدارة الحرب، قدمت استقالتها من الحكومة.
وعندما أطلق الليكودي مناحيم بيغن رئيس وزراء العدو الصهيوني شعاره "تدمير منظمة التحرير الفلسطينية"، وحشد الجيش الصهيوني على الحدود اللبنانية عام 1978م، من أجل عملية "سلامة الجليل"، ودرء خطر هجوم المنظمات الفدائية الفلسطينية على المستوطنات الصهيونية المتاخمة للحدود اللبنانية، حيث باءت العملية العسكرية بالفشل، ثم عاود الجيش الصهيوني الحملة مرة ثانية عام 1982م، بقيادة وزير الدفاع المجرم ارئيل شارون، وحشد نحو /٧٦٠٠٠/ مقاتلا و/١٠٠٠/ دبابة وقام باجتياح الجنوب اللبناني، ثم تقدمت قوته باتجاه العاصمة اللبنانية بيروت وحصارها لفترة طويلة وسقطت بيده بعد قتال عنيف، وبعد تسوية دولية تم ترحيل منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس لتترك خلفها أرثا ثقيلاً على المقاومة اللبنانية، التي تبنت هزيمة جيش العدو الصهيوني فيما بعد، وبقيت منظمة التحرير الفلسطينية إلى يومنا هذا، بينما فشل مناحيم بيغن في تهديداته وحربه الإجرامية وقدم استقالته على أثر ذلك بعد خسارة جيش العدو الصهيوني /٣٧٦/ عسكرياً وأصيب /٢٣٨٨/ عسكرياً بجروح مختلفة وتكبد خسائر فادحة بالمعدات الحربية.
واستمرت المقاومة اللبنانية بمهاجمة القوات الصهيونية والإجهاز عليها حتى أجبرتها على الانسحاب من لبنان عام٢٠٠٠م، إبان ترأس إىهود باراك الحكومة الصهيونية وسجل مقتل /١٢١٦/ جندياً صهيونياً والجرحى بالآلاف بعد فشل العملية الحربية وفشل نظرية الحزام الأمني والتي تعتبر إستراتيجية في السياسة الصهيونية.
ثم جاء دور آرئيل شارون الذي حاول القضاء على المقاومة في غزة، وبناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأرتكب الأخير الكثير من المجازر بحق الشعب العرب والفلسطينيين، ثم جاءت الهزيمة للقوات الصهيونية وانسحبت انسحابا أحادياً من قطاع غزة عام 2005م، وتحت الضغوط والإخفاقات العسكرية وفتح ملفات الفساد التي كانت تلاحق شارون وأولاده قدم استقالته وبقيت المقاومة في قطاع غزة إلى يومنا هذا، تقاتل وتدافع عن الشعب الفلسطيني في غزة.
ومن بعده أطلق إيهود اولمرت رئيس وزراء الكيان الصهيوني تهديداته بالقضاء على حزب الله اللبناني، وجاءته الهزيمة لجيشه في حرب تموز عام 2006م، وقتل /١٢٠/ جندياً صهيونياً وجرح /٣١٤/ جندياً، وتضرر الاقتصاد الصهيوني نتيجة الحرب والتي دامت /٣٣/ يوماً، وفشل اولمرت في إدارة الحرب وتحت الضغوطات قدم استقالته وفتحت ملفات الفساد التي ارتكبها، ورحل أولمرت ومازالت المقاومة اللبنانية موجودة وتقاتل بقوة أكثر مما سبق.
وبعد مقتل اسحق رابين رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق والذي تبنى مشروع سلام مع العرب ينهي الحروب بالمنطقة العربية، وقبل إلإعلان عن "وثيقة رابين" وفحوها تم اغتياله، وتدور الشكوك و التهم بتورط بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو الصهيوني حالياً في قضية الاغتيال، والمعروف عن الأخير بصلابته وإجرامه لا يقل عن قادة العدو السابقين من أقرانه، حيث هدد بالقضاء على "حركة حماس والجهاد الإسلامي"، واحتلال غزة وترحيل كل الفلسطينيين دون استثناء من فلسطين المحتلة، وبرغم محاصرة قطاع غزة منذ عشرات السنين وشن الحروب والمعارك عليه في الأعوام التالية: ٢٠٠٨م و٢٠١٢م و٢٠١٤م و٢٠١٨ و٢٠٢١م، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تعتمد على ذاتها وتبني نفسها بنفسها، تنظيمياً وعسكرياً وبدعم ومساعدة دول محور المقاومة.
وفي صباح يوم 7 تشرين الأول من العام الجاري 2023م، كانت المفاجأة حيث حققت المقاومة الفلسطينية انتصاراً عظيماً أذهل كل الباحثين العسكريين في العالم، عندما هاجمت المقاومة بالبر والبحر والجو قوات العدو الصهيوني المرابطة في غلاف غزة، وسيطرت على مساحات واسعة من الغلاف تقدر بأكثر من ثلاثة أضعاف مساحة قطاع غزة، وما كان من رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي فقد أعصابه والسيطرة على نفسه، إلا أن أعطى الأوامر لسلاح الجو الصهيوني بالإغارة على غلاف غزة وتدمير مواقع ومراكز الجيش الصهيوني وقتل كل من فيها من الصهاينة (عسكريين ـ مدنيين ـ نساء ـ أطفال ـ مسنين)، وبالصدفة كان هناك مهرجان فني للمراهقين الصهاينة تم اغتيال /٤٤٠/ شاباً من المشاركين، بالإضافة لاستهداف رجال المقاومة الفلسطينية، وتم على أثر ذلك مقتل أكثر من /1400/ صهيوني بفعل الضربات الجوية الصهيونية عليهم، والصق نتنياهو التهم لحركة حماس، ولكن كشف أمره من المستوطنين الناجين من الضربة العسكرية، وكانت الفضيحة مدوية في داخل الكيان الصهيوني، وبعد عملية عرض للعضلات والهروب من جرائمه وملفات فساده وابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، أمر نتنياهو باجتياح قطاع غزة، وطلب المساعدة العسكرية العاجلة والدعم من حلفائه، وكانت المقاومة الفلسطينية بالمرصاد حيث تمكنت من صد الهجوم والدفاع عن قطاع غزة، وعلى أثر ذلك كانت الهزيمة لجيش العدو الصهيوني والخسائر بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين، بالإضافة للخسائر بالمعدات والآليات والدبابات والتي تقدر بالمئات، ومازال الحبل على الجرار إلى يومنا هذا، ولا يتم الإعلان في الكيان الصهيوني عن الأرقام الصحيحة للقتلى، سوى عن عدد قليل من الجنود الصهاينة الذين لقوا حتفهم بالمعارك بغزة، أما المرتزقة الذين يتقاضون حوالي /٢٠٠٠٠/ دولاراً أمريكياً شهرياً، تطوى صفحتهم ولا يتم الإعلان عن مقتلهم، وبرغم الدعم المقدم واللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، وحتى تاريخه لم يحقق "العدوان الخماسي" والمتمثل: (بالكيان الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا)، أي انتصار ملموس على قطاع غزة والذي مساحته (360 كم2)، سوى قتل الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ وتدمير البنية التحتية للقطاع، ومازالت المقاومة الفلسطينية متماسكة سياسياً وعسكرياً وزمام الأمور بيدها، وكل نقطة في الكيان الصهيوني تحت خط نار المقاومة الفلسطينية، ويمكن لصورايخها الوصول إليها، وفي البر مازالت المقاومة الفلسطينية تكبد العدوان الخماسي خسائر فادحة بالأرواح والمعدات وفي داخل وعمق الكيان الصهيوني أيضاً.
وأخيرا فإن زوال الكيان الصهيوني حتمي قد يستغرق بقاءه لسنوات قليلة، وهذا مرتبط مع قدرة المقاومة العربية والصبر على المواجهة وتطوير قوتها، والاستفادة من التحولات والتغيرات السياسية والدولية والإقليمية التي تصب في مصلحة الشعب العربي الفلسطيني، وخاصة بعد أن فقد الكيان الصهيوني الكثير من الدعم الدولي والسياسي والإعلامي من شعوب العالم، وظهرت حقيقته العنصرية والإجرامية على أثر المجازر المروعة التي أرتكبها في قطاع غزة وفي الجنوب اللبناني، وفي الحقيقة أصبح وجود الكيان الصهاينة غير مقبول لا في فلسطين المحتلة ولا بالمنطقة ولا بالعالم، والوعود والتهديدات الجوفاء التي أطلقها ويطلقها حالياً قادته على شاشات الفضائيات وبشكل دوري، بالقضاء على المقاومة العربية والدول الداعمة لها، تجرهم أكثر للهاوية وللنهاية الحتمية لوجودهم في فلسطين المحتلة وستثبت الأيام القادمة ذلك.
ـ كاتب وباحث سوري.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا