محمد عمر محمود آغا
"عندما ذهبت"
سورية الحدث
مفتت موجوع، روحي امتلأت بالصدوع، زلزال قد ضرب حياتي، فلا جدوى من الدموع، كانت ليلة سكونها مخيف، الظلام يسأل الهدوء هل حان موعد النزيف؟ فيجيبه انتظر قليلا حتى يدخل في سباته، ومن ثم خلايا جسده سنخيف، وسنزرع في جوف صدره رعب وهلع، وسيهجره الأمان، ويلتحف حجارة الرصيف
لم أكن حينها مستيقظاً، وأيضاً لم أكن نائم بأدنى حد، كنت أحاول أن أقيم صلحاً مع نوم عن ذاتي قد ارتد، صراع بين فكري، ومضجعي، ومخاوفي، ثم هلعت مستيقظاً على الأنين؛ وكأن ظهري قد طعن بألف سكين، ماذا أفعل أمي أخبريني، افتحي جفن، أو حركي عين، أمي اسمعيني، انهضي، مالذي جرى ساعدني يا خالقي، كل شيء حولي بات سراب، نائمة أو غائبة ما هذا العذاب، أهكذا يسلب الأحباب ؟
إسعاف، أبي نريد إسعاف، خافقها توقف، ولم يعد هناك سيطرة على الأطراف، بالله مالذي يجري، هذا حلم أليس كذلك؟
أما آن وقت الاعتراف؟
لا هذا هو الواقع؛ والحقيقة ومعنى الاستنزاف،
جاء المسعف، ووضع جهاز عليه أرقام قد كتبت، ثم توقف قليلا ثم قال قد ذهبت،
صفعني القدر، وبات كل شيء ضبابي، أمي قد ذهبت ومن هنا بدأ عذابي، كبلت بأغلال بوزن سيئات البشر، جلدت بعدد الكفار يوم الحشر، بكيت وقد أضيف للأرض نهر، تُركت وحدي أصارع ظلمات القدر، كسر قلبي عندما الروح فارقت القمر، بالله من بعدها ما الذي يستحق النظر، بالله من بعدها ما هو الأمان وما هو الذعر، جلبوا لها الثوب الأبيض وقالوا قد حانت ساعة الوداع، تلون حاضري بالأسود أتمنى لو التهمتني الضباع، كل شيء مني قد ضاع، كيف أصف مافي جوفي من أوجاع،
أهكذا يكون الموت؟
أهكذا يسلب من نحب دون أي صوت؟
أحقاً لن يعود
أحقاً كل التساؤلات باتت دون ردود
كيف سأصدق بأن أمي ذهبت؟
كيف سأصدقك بأن أمي قد رحلت؟
كيف سأصدق بأنني الآن بآخر اللحظات التي تجمعني بأمي،
كيف سأوقف كل شيء؟
هنالك الكثير من الأحاديث لم أرويها بعد، هنالك الكثير من الأيام أريد أن نقضيها معاً، أريد أن أجد ابتسامتك عند نجاحي، أريد أن آتي للبيت باكراً كي ترتاحي،
كيف يدفن المرء أمه؟
أآخذك لقبرك؟
بالله اتركوني أريد أن آخذ ضمة،
أنا وحيد وضعيف، كيف يحيى المرء دون أمه، العالم هنا مخيف على مرء فجأة كبر همه،
وضعوها بالقبر ، وبدأوا يضعون التراب مكيال يليه مكيال، وحالي كفارس دون سيفه دخل القتال، مكسور مدمى، خاسر معذب بالنار رجمه، مهشم بأكثر الليالي ظلمة،
وماذا يقال للنجوى ؟
لا أريد شيء فقط ضعوني بقربها، أنا ميت ادفنوني بجانبها ليعود النور لحياتي، أنا ميت ولكن وجودها نور حتى بمماتي،
حضنني أبي محاولاً أن يجمع أجزائي المفتته،
قلت له يالوجع روحي المعذبة، ويالألم قلبي الذي دفن عالمه،
قلت لذرات التراب هنيئاً لك لأنك تعانقين جسدها، قلت للتربيّ أحسدك لأنك ستسكن بجوارها، قلت لنفسي التي سرق الموت أغلى أحبابها، متى سيكون اللقاء؟
متى ستحين ساعة الارتقاء ؟
أنا أبغض الوداع، وتجلدني الذكريات، وتدميني الآهات، جروحي لا تلتئم، والطريق أمامي سواد قتم، أنا متعب وأطلب من الله أن يجمعنا ولو بحلم، كيف من اعتدت وجوده حولي باتت رؤياه محصورة بالذكريات، ولحظات قليلة بحلم بِمبات،
أنا مكسور ومن يجبرني؟ أنا مصهور ومن يبردني؟ أنا مقهور ومن يطيب خاطري؟ يا دموعي اهطلي، ويا روحي تحملي، فذاك الألم لن ينجلي، اُقلم ثمار خيباتي بمنجلي، والسّخط ملامحي يعتلي،
يا صاحبي بالله لا تخفف عني، اتركني أذوب، ماذا لو البكاء يجدي؟ فوالله لكانت عيوني ينابيع لن تجف، ماذا لو كان الصراخ يجدي، سيأتي أهل الأرض مستغربين من حنجرة تصرخ دون نزف، بالله كيف سأقف؟ لم يعد بمقدوري النهوض، سلبت مني قواي، وبت هزيل، ومن يفقد قلبه هل يبقى به حيل؟
جاء الأهل والأصحاب للعزاء، ويسألوني عني حالي،
اسألوا السماء كيف نحيبي كان يضرب بغيومها، أسألوا الجدران كيف أناجي اسمها، عن أي حال أسال؟
اليوم الأول هنالك جبل على صدري، اليوم الثاني مدينة على صدري، اليوم الثالث جهزوا لي قبري، لم يعد بمقدوري العيش
بالله أيقظوني، أريده أن يكون حلم..
اليوم يمضي وكأنه سنة، النوم لم يعد راحة، ولا حتى هروب، الموت هو استسلام الحواس للقدر المكتوب، أستيقظ وأنا متعب، أنام وأنا متعب، لم يعد هنالك نقطة أمان أو مكان يعطي المرء سكينة، فقدت كل شيء مع أمي، حتى فقدت نفسي،
أشتاقك بين الدقيقة والدقيقة، وأدعو الله أن يرحمك كل دقيقة، لعلي أكون الولد الصالح الذي يدعو لك، لعلي أنال هذه المرتبة المليئة بالفخر، يالسخطي فخر من أمي التي بات جسدها بالقبر، أعلم بأن روحها سكنت الجنة، وأعلم بأنها بمكان أجمل بكثير من هذه الأرض اللعينة؛ التي يملئها الظلام، والحقد، والكراهية، هذه الأرض التي خذل يوسف من أخوته ورموه بالبئر، هذه الأرض التي نحن سجناء بها إلى أن يحين اللقاء، هذه الأرض التي تسير نحو الضلال،
هذه الأرض المليئة بالإنحلال، هذه الأرض المليئة بكل شيء قد حذرتيني منه، ورغم كل شيء بهذه الأرض كنت صابر لأنك موجودة، لأنك كنت النور والسرور والأمل،
أشتاقك ولا حيلة لي، الآن أغمض عيناي، و أتكلم مع الحجر، أكلم شاهد قبرك، وأتنفس عبير عطرك، وكأنني بحضنك، وكأنني أمسك يدك، فأفتح عيناي وهنا أعود للواقع، أنا وحدي والحزن في صدري قابع، ماذا أفعل أخبريني تعالي بحلم ويكون نومي غيبوبة،
هذا هو الكون هذه أقسى عيوبه، فلا يسعني الفضاء بات حزني يجوبه، فقدانك خلق جرح في جسد كثرت ندوبه،
واسأل روحي لماذا أنت هنا في جسدي هذه حقاً أعجوبة،
لطالما حاولتي اللحاق بها، لطالما كان الرحيل أهون من العيش دونها، وكيف يكون العيش دونها،
أشتاقها فأذهب لمرقدها، أحدثها، أبكي، أجن، أإن، أذوب، أحترق،أنكسر، أنسلخ، أهذي، أنصهر، وأسلم أمري لخالقي، بعد وجع كسر ظهري، أيام تمضي وروحي متعبة، تصارع أيام صارمة، أيام تجرني لمقصلة، ومن قال الحياة عادلة؟
ومن سيطفئ نيران في صدري مضرمة، هذه هي الدنيا التي تركتها أمي؛ التي من بعدها أحترق كل يوم كشمعة،
من بعدها لا شيء يستحق الدمعة ..
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا