سورية الحدث
لن أتحدث عن تجارب الناس، لكن سأقول ما حدث معي شخصياً..
في الساعة العاشرة تماماً كنت في أحد البنوك بغية فتح حساب لوالدي، وزاد تأكدي أن معظم الناس لم تتحرك حتى الآن لفتح حسابات في البنوك لاعتبارات لسنا بصددها الآن، لكن اعتقد أن فقدان الثقة وضبابية المشهد حول آلية تقديم الدعم هو أهمها..
كان قبلنا رجل وزوجته فقط، كبار في السن، وعند وصولنا كانوا أساساً على مكتب الموظفة القريب من مكان جلوسي، جلسة تحقيقٍ كاملة عن عنوان السكن ومصدر دخل الفرد، وقيمة هذا الدخل، ومنزل الشخص هل هو ملك أم آجار إلى ان انتهى التحقيق لتبدأ المرحلة الثانية، مرحلة التوقيع.. وهذه لوحدها حكاية.. قامت السيدة بالتوقيع على الأوراق فرفضت الموظفة التوقيع بحجة أن التواقيع مختلفة، تقول السيدة أنا كنت معلمة مدرسة، تقول الموظفة لها أهلا وسهلاً لكن انظري كل توقيع يختلف عم الآخر.. وتوقع من جديد على أوراق جديدة، وأيضاً توقيع يختلف عن التواقيع السابقة.. استمرت هذه الحالة ثلاثة أرباع الساعة، وبعد أن اعتمدت معلمة المدرسة على توقيع، وبينما كانت الموظفة مشغولة بترتيب بعض الاوراق لانها فتح الحساب، سحبت المعلمة "كتارة الغلبة" الأوراق وأضافت حرفاً على أحد التواقيع وهي تقول: إذا حطيت حرف واو هون أظبط، خلص اعتمدي هاد التوقيع.. كادت الموظفة أن تشد شعر نفسها غيظاً.. لكنها كتمته والشرر يتطاير من عينيها، وأعادت الاوراق مجدداً من بدايتها..
ليأتي دور والدي.. الرجل الذي شارف على الثمانين من العمر تقريباً، وهو مريض سكر، وأصابته جلطة في الماضي فيعاني من رجفان في يده..
وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة.. وبعد جلست التحقيق اعطته كراس التعليمات ليوقع على قبوله بشروط فتح الحساب وهو يتجاوز العشر صفحات وكل صفحة يجب ان يوقع عليها..
قلت لها لا يستطيع أن يوقع، يعاني من رجفان في يده، فقالت ليكتب اسمه الثلاثي اذاً، قلت لها: يا عزيزتي إن كان لا يستطيع التوقيع فكيف له أن يكتب اسمه ويده ترتجف؟
تجاهلت سؤالي وقالت هذه هي الاجراءات..
كتب اسمه اول مرة بشق الأنفس، لتقول له اكتب كذلك اسمك على الورقة الثانية، فالثالثة، والرابعة، تقريباً عشرة أوراق حتى كاد يغمى عليه من الاجهاد، ثم قالت له : الآن توقيعك هو كتابة اسمك الثلاثي، اكتب اسمك الثلاثي مرتين بنفس الطريقة، لكنه فشل بسبب الرجفان، كررها ثانية وفشل وثالثة وفشل ... وثامنة وعاشرة وفشل، وهنا قلت لها اعتمدي البصمة.. لن يستطيع كتابة اسمه بسبب رجفان يده ، والموظفة ترفض، حاول كثيراً لكن دون فائدة، حتى اقتنعت بالبصمة وهنا قالت أنه لن يستطيع أن يحرك حسابه إلا بحضوره شخصياً ، وكانت قد طلبت مبلغ ٦٥ ألف ليرة لفتح الحساب. لتنخفض القيمة إلى ٣٠ ألف ليرة بعد تعذر حصول والدي على بطاقة صراف بس عدم تمكنه من التوقيع.. وقلبي يحترق على والدي الذي يذوب أمام عيني وهو الجبل الشامخ الذي كنا ومازلنا نهابه..
أما الموظف الذي يقوم بتقاضي مبلغ فتح الحساب فطلب ٥٠ الف ليرة.. وكوني فضولي سألته عن الفرق وان الموظفة قالت ٣٠ الف فقط فأجاب: الموظفة هيك قالت؟.. أي خلص ٣٠ ألف.. معقول؟
حكومتنا الرشيدة أمثال والدي كثر، وهناك من هم أسوء حالاً منه، وربما لن يجدوا من يعينهم على تحقيق مطلبكم العبقري هذا..
الرجوع عن الخطأ فضيلة.. وكسبوا حسنة بهالشعب آخر أيامكم.. وللتذكير كنت قد اقترحت عليكم حلاً في مقال سابق.. فهل من أذن صاغية؟
بقلم مدير التحرير
✍️ محمد الحلبي
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا