رسالتي الثّانية من تحت الماء
عزيزي أنا:
أعلم جيّدًا أنّ ثقل الوقت أكبر بكثير مما تتحمله سفينتنا، وأنّ الإبحار مع هذا الحمل يترتب عليه الكثير من المخاطر؛ لكنّي أوقن أنّنا سنخوض غمار هذه الرّحلة مهما كانت النتائج آملين من المولى أن ينجي سفينتنا الّتي زودتها بأشرعة اليقين، وقوارب نجاة الصّبر، معتمدةً على رُبّان ظنّي بالله الّذي لا يخيب.
تعلم جيّدًا يا أنا أني أخشى البحر والإبحار ولكن في خضم أيامٍ تلقي بكلّ كوابيسها في مضمار أحلامي بات البحر أخف وطئةً من ذاك الثقل المتربص على صدري كجاثومٍ يحول بيني وبين النهوض، رئتاي مقيدة خلف قضبان الكبت، وهذه القضبان صُقلت بطريقةٍ تجعلها تتضيق أكثر مع مرور الوقت، كلّ شيء يؤول إلى نهاية واحدة وهي الغرق، نعم الغرق فمع هذه العدة الّتي أثقلت كاهل قلبي لن ينفع أن أُلقى في بطن حوتٍ يحملني حيث ضفة النجاة؛ لأنّه من الصعب تحمل أطنان من الكلمات العالقة في الحنجرة لذا لا مفر من الغوص في أعماق المحيط، وملامسة قاعه هناك بين السراخس والمحار، بين أنقاض وحطام ضحايا البحر، لا بد من معانقة كل حالات البين وبين مثلًا اللامنطق، اللامبالاة، اللاوعي، اللاشعور وغيرها
هناك في العمق السحيق الذي يلبس عباءته السوداء الخالية من أي لونٍ آخر لا بد من مكاشفةٍ مع الذات كي تنجو.
إن الحقيقة دائمًا تنسكب من إناء الضعف لذا أفضل اللّحظات لمصارحة النفس ستكون هناك حيث يبلغ الضعف منك ذروته، ويأخذ اليأس مأخذه وحدها هذه اللّحظات الّتي سوف تجعلك تخلع رداء الصّمت وتلقي به بعيدًا ساحبًا لحاف البوح الّذي سيدثرك، أصرخ بأعلى صوتك، أبكي، تكلم وأفعل ما يحلو لك فكلّ هذا لن يتجاوز بضع متراتٍ في القاع لكنّه سيرفرف محلقًا في السماء دون أن يلمح طيفه أحد، بعدها ستغدو خفيفًا جدًّا أخف من ريشة تصعد للأعلى وكأنّك خلقت للتو لا كدر ولا كبت ولا هم يعلو أكتاف قلبك.
عزيزي أنا لطالما آمنت بقدراتك على مجابهة الأخطار مهما بلغت من الصعوبة وعلى ثقةٍ أنّ نجاتك من قاعٍ كهذا ليست بالأمر الصعب، أعلم أنني أصبحت الآن أجيد الثرثرة أكثر من قبل ولكنّ لأني أعيش في مجتمعٍ من الصّعب أن أصرخ فيه أكتب، فما من سبيل لإعلاء صرخاتي إلّا بالمداد والحروف.
٢٠_٦_٢٠٢٤
#د_عهد_حاتم_الابراهيم
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا