مع افتتاح العام الدراسيّ يتوجّهُ نحوُ أربعةِ ملايينَ تلميذٍ وتلميذة، وطالبٍ وطالبةٍ، إلى مدارسهم التي يبلغ عددُهانحوَ خمسَ عشرةَ ألفَ مدرسةٍ. يرفّونَ في طريقهم إليها كما يضاحكُ يمامٌ فضاءً مترفَاً بالحياةِ، وكما تُحمحمُ خيلٌفي ميدانٍ للسباق، فرحاً بعودتهم إلى مقاعد الدراسة، لينهلوا من ينابيع العلم والمعرفة، فيبدعوا مستقبلَوطنهم، كما يبدعُ كلٌّ منهم مستقبَلَه الخاصَّ.ومع افتتاح هذا العام أيضاً يتابعُ الزملاءُ، إداريينَ ومعلّمينَ ومدرّسينَ، عملهم الذي لم ينقطع خلال العطلةالصيفية، ولاسيّما في الامتحانات العامة التي استمرّت على مدار نحو شهرين، مؤكّدينَ إيمانهم برسالتهم التياختاروها في بناء الوعي، وبوطنهم الذي نذروا أنفسهم لتحصينه بأسباب القوة، قوّة المعرفة، وللدفاع عنه فيمواجهة جحافل الظلام التي تداعت عليه من غير جهة من جهات الخراب الإنسانيّ جهلاً، وتخلّفاً، وردّةً في قيمالحقّ والخير والجمال، فقدّم عددٌ منهم روحه وطمأنينتَه في الحياة في سبيل ذلك، استشهاداً، أو اختطافاً، أوتهجيراً، وكان بذلك علامةً مضيئةً في مسيرة التربية في هذا الوطن الذي تربّصت قوى الشرّ به من كلّ فجّ رجيم. ومع افتتاح هذا العام أيضاً تؤكّد الأسرة السورية، الخلية الأولى التي تحتضنُ أبناءنا التلاميذ والطلبة، عمقَوعيها بأهمية المعرفة في بناء الإنسان السوريّ المتميّز، بل الاستثنائيّ مهما يكن من أمر ما كابد الوطنُ ويكابدمن التخريب، والتدمير، والموت بأيدي شذّاذ الآفاق، وعبَدَة الجهل، كما تؤكّد إيمانها بأنّ قوة الحياة إنما تكمنُفي استمرار هذه الحياة وتدفّقها مهما أحدقَ بها من اليباس، والجفاف، وتصحّر الهويّةِ، أيّ الهوية التي يكتفيصاحبُها منها بوصفها إشارة إلى جغرافية ينتمي إليها، لا بوصفها قيمة دالّة على وطن يؤمن به، وطنٍ جديربالانتماء إليه بحقٍّ. إنّ افتتاح العام الدراسيّ يعني تأكيداً لإرادتنا جميعاً، إرادةِ السوريين جميعاً، في مواجهة مجمل أشكال تدميرسورية وتشظيتِها وتفتيتِها، حضارةً وجغرافيةً وإنساناً، وفي أننا في وزارة التربية أمضى عزيمةً، وأكثرُ إيماناًبانتصار سورية، ولاسيما أننا أنجزنا فيما مضى مجملَ ما يلزم لانطلاقة العملية التربوية على النحو الذي نطمحإليه، بل على النحو الذي يطمح وطننا إليه، ولاسيما أيضاً أننا، على مختلف المستويات، إدارةً مركزيةً ومديرياتِتربيةٍ في المحافظات، أعددنا مجمل ما يمضي بهذه العملية قدماً إلى الأمام، على الرغم من أنّ الامتحانات،بدورتيها، كانت تستنزف وقتنا كله فيما مضى من الوقت، ولنا أن نقول بكثير من الاطمئنان إنّ كلَّ ما يعنيالتربيةَ هذا العام، شأنَ ما سبقه من الأعوام، تخلّقَ على النحو الذي يجب أن يكون عليه، بدءاً من البناء المدرسيّ،إلى الكتب المدرسية، إلى تشكيلات المدرسين، فإلى الوسائل التعليمية، وإلى كلّ ما يعني الشأنَ التربويّ الذييحقّقُ قيمتين في وقت واحد: قيمة البناء التربوي، وقيمة الدفاع عن الوطن بالتربية نفسها. إننا نؤكد لأبنائنا الطلبة، ولأسرهم، أنّ كل أسباب نجاح العملية التربوية بين أيدينا جميعاً، ولسنا ندّعي الكمالَ بقدرما نثق بأننا أنجزنا ما يجب إنجازه، بل ما أستطيع أن أقول، بكثير من الاعتزاز، أنه فوق ما يجب إنجازه في ظروفنعرفها جميعاً، بل في ظروف استثنائية بامتياز، تعوّق أيّ جهد في مجال التربية، بل تنفيه، إذا ما واجهتمجتمعات أخرى، أو دولاً أخرى، مهما يكن لها من الإرادة. وبصوت ممتلئ بالطمأنينة نستطيع أن نقول إنّ ماأعددنا لانطلاقة العملية التربوية ولسيرها كما يليق بوطننا الحضارة والتاريخ والمستقبل إنما كان ثقة منا جميعاًبأنّ إرادة الضوء لا بد من أن تهزم إرادة الظلام، وأنّ إرادة الخير لا بدَ من أن تدحر إرادة الشرّ، كما يقول تاريخ هذاالوطن، وكما سيقول مستقبله حتى نهاية التاريخ.لقد كانت السنوات الخمس التي مضت اختباراً حقيقياً وقاسياً لسورية في مواجهة جحيم الحرب التي شُنّت عليهامن غير قوة دأبت على صفتها الاستعمارية منذ مئات السنين، ومن غير قوة أدمنت تبعيتها لتلك القوى، ثمّ منغير قوة ارتضت أن تكون رقيقة في سوق نخاسة كونيّ بامتياز، واستطاعت، أعني سورية، أن تصمد طوال تلكالسنوات، وأن تؤكد إيمانها بأنها فوق أيّ محاولة تستهدفُها مادة ومعنى، وإذا كانت تلك القوى نجحت إلى حدفي استهدافها ما هو مادي، فإنها لم تستطع تحقيق ما كانت تطمح إليه في الجانب المعنوي، ولا سيما إرادةالسوريّ في الحياة، وحقه في المعرفة، وكانت التربية، وستبقى، أحد أهم أركان تلك الإرادة، وليس أدلّ على ذلكمن أنّ وزارة التربية لم تتوقف يوماً عن أداء واجبها تجاه أبنائنا الطلبة وأسرهم، بل على النقيض من ذلكاستطاعت أن تنجز الأغلب الأعمّ ممّا كنا نطمح إليه، ومن ذلك تطوير المناهج وتعديلها، وإعادة تأهيل بعضالمدارس، وقبل ذلك وبعده تطوير أدائنا التربويّ على غير مستوى، منطلقين، في ذلك كله، من إيمان راسخ بأننارديف حقيقي لرجال الجيش العربي السوري الذين يذودون عن الوطن في غير مكان منه، ويدفعون بأرواحهم فيسبيله، ويلبّون نداء الحياة فيه. الزملاء.. الأبناءنواجه هذا العام، وبسبب من الحرب المفروضة على وطننا، وكما مضى من أعوام هذه الحرب نفسها، غير معوّقفي جعل العملية التربوية مثالية تماماً، بل نموذجية تماماً، ولذلك أتمنى عليكم جميعاً تقدير الواقع الذي نواجه،والذي سنثبت للعالم كله من خلال صمودنا جميعاً في مواجهته أننا سوريون حقيقيون، بل سوريون جديرونبانتمائهم إلى سورية. لقد فرضت الحرب على وطننا جملة من المعطيات التي تتطلب منا أن نتعاون جميعاً في سبيل تجاوزها، بل فيسبيل تأكيد جدارتنا بالمسؤوليات التي ارتضيناها لأنفسنا، ومن ذلك الكثافة الطلابية في الصفوف بسبب تدميرالإرهاب عشرات المدارس، وبسبب تهجير أسر بأكملها من غير مدينة وقرية واضطرارها إلى الإقامة في مدنأخرى، وقد وجهنا بضرورة استيعاب الطلاب جميعاً مهما يكن من أمر أعدادهم، وبالبحث عن البدائل الممكنةلتحقيق عملية الاستيعاب هذه، بما في ذلك دوام ثان إن لزم الأمر في المدارس التي يمكن أن تجد نفسها فيمواجهة ذلك، أي الكثافة في أعداد الطلاب. وفي الوقت نفسه طلبنا من مجمل مديريات التربية العمل على حلّ مشكلة فقدان وثائق الطلاب الذين تمتهجيرهم من مدنهم وقراهم، ونؤكد في هذا المجال أنّ لكل طالب من هؤلاء الطلاب الذين فقدوا وثائقهمالحقّ في الالتحاق بالمدرسة التي يختار، بعد أن يراجع دائرة التعليم الأساسي في مديرية التربية التي تتبع لها هذه المدرسة، ويتقدم بطلب إلى لجنة سبر المعلومات ليحصل بعد ذلك على كتاب موجه إلى المدرسة التي يريدالالتحاق بها. وأودّ هنا والآن التأكيد على زملائنا الإداريين والمعلمين والمدرسين عدم التشدد في اللباس المدرسيّ، وتقديرالظروف التي وجدت الأسرة السورية نفسها في مواجهتها، والتي أكدت، رغم قسوتها، أنها حفيدة أولئكالسوريين الأوائل الذين بنوا مجد الحضارة الإنسانية بالعلم
التاريخ - 2015-09-12 7:43 PM المشاهدات 749
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا