خاص - بقلم محمد الحلبي
المكتب العقاري أرسلها إلى الشقة المشبوهة وخوفها من
الفضيحة دفعها للتسول
الفقر كلمة متشحة بالسواد، ممزوجة
بطعم العلقم، ملونة بلون الألم، هي حجة الفقراء وشاهد على الأغنياء حدها أمضى من
حد السيف، وجرحها أعمق من غدر البحار، تنقض كوحشٍ كاسر يريد أن يفتك بفريسته دون
أية رحمة، كل هذا ولا أعرف إن كنت قد أديت كلمة الفقر حقها أم لا....
في الأزقة العتيقة
كانت تقبع على الأرض في حارات دمشق القديمة تحت أحد المصابيح الخافتة ،
وبالتحديد في الطريق الذي يصل بين الجامع الأموي وباب توما ، وقد لفَّت ابنتها
الصغيرة بغطاء رقيق علَّه يدفع عنها عيون الناس التي تفترسها، كانت تستجدي حسنة
المارون من هذا الطريق بالدعاء تارةً وبالتوسل تارةً أخرى، أما أمارات البؤس
والشقاء التي لفَّت جسدها النحيل فلم تستطع أن تخفي عنها نضرة الشباب وحيويته
البادية على محياها... شيء ما دفعني نحوها.. لعلَّه الفضول الصحفي... سألتها عن
شأنها فأجابتني وكأنها تريد أن تبوح عن سرٍّ دفين في قلبها ليصل صوتها إلى كل من
صمَّ أذنيه عن صوت الفقراء...
قصة مؤلمة
بعد أن تنهدت بعمق قالت (ناهد): إن كنت أمد يدي إلى الناس و أستجدي حسنتهم فالله
أعلم إن كنت بحاجةٍ أم لا، وقد يغفر لي الله خطيئتي إن كان الفقر الذي دفعني إلى
التسول خطيئة، أما المتاجرة بالشرف فهذه من الكبائر التي قد لا يغفرها الله ، وما
حدث معي والمعاناة التي عشتها خلال سنوات عمري القليلة إذ أني لم أتجاوز الثماني
والعشرين عاماً من عمري بعد هي التي أوصلت بي إلى هنا، فأنا وحيدة لوالداي، وقد
تفتحت عيوني على هذه الحياة و أنا لا أعرف لنا قريب في هذه الدنيا سوى عم واحد
مهاجر من سنوات طويلة في إحدى الدول الأوربية، و كان والداي يشاهدان الحياة من
خلال سعادتي رغم فقرهم المدقع، وكان والدي يقول لي دائماً أن سعادته لن تكتمل حتى
يشاهدني في الثوب الأبيض، وقد تحققت أمنيته و زادت سعادته أكثر عندما أنجبت له
حفيدةً صغيرة سرعان ما حرمها القدر من أبيها الذي يعمل في مجال البناء عندما
انقلبت به السيارة التي تحمل (البلوك)، لانتقل أنا وابنتي للعيش في منزل أهلي في
منطقة كشكول الدويلعة بعد أن ترملت وأنا لازلت شابة في بداية مشوار حياتي، وقد راح
والدي يعمل ليل نهار لتأمين متطلبات المنزل وابنتي الصغيرة... كانت هذه المتطلبات
تفوق طاقته لكنه لم يتذمر يوماً، وعلى ما يبدو أن القدر أراد أن يريحه من معمعة
هذه الحياة وقسوتها عندما خطفه الموت من بين أيدينا أنا وأمي بعد أن داهمه المرض
وفتك به، لأجد نفسي وحيدةً و مسؤولةً عن ابنتي وأمي التي لا حول لها ولا قوة...
عيون الذئاب
تتابع(ناهد) قولها:
قررت أن آخذ على عاتقي مسؤولية تأمين مستلزمات حياتنا المقبلة مهما كان حجم
الشقاء والمعاناة التي سوف أتكبدها، فعملت بداية في أحد ورش الخياطة القريبة من
منزلنا، لكن مضايقات العمال وصاحب العمل وكلامهم النابي أجبرني على ترك العمل
والبحث عن فرصة عمل أخرى، فعملت كخادمة في البيوت، ورحت أقوم بتنظيف المنازل
المؤجرة عند إخلائها عن طريق أحد المكاتب العقارية إلى أن كان ذلك اليوم الذي لن
أنساه ما حييت...
غزالة في غابة الذئاب
في ذلك اليوم طلب مني المدعو (أبو توفيق) صاحب المكتب العقاري أن آخذ مفتاح
إحدى الشقق لأقوم بتنظيفها، وقد فعلت ما أمرني به... دخلت الشقة وإذ بشاب مستلقٍ
على أحد الأسرة وأمامه كأس مشروب، قمت بتجاهله، وحاولت إنجاز عملي بسرعة، لكن صاحب
المكتب سرعان ما حضر خلفي ودخل إلى المنزل وراح يتهامس مع ذلك لرجل، شعرت بنظراتٍ
مريبةٍ تتجه إلي، وإذ بذلك الرجل بعد أن غادر (أبو توفيق) يتجه نحوي ويلقي بي على
الأرض محاولاً انتزاع ملابسي عني، قاومت بشدة... لكن ما بوسع نعجة صغيرة أن تفعل
مقابل ثور هائج، اغتصبني بعنف ورمى لي بألفي ليرة وقال لي أغربي عن وجهي، أسرعت
إلى (أبو توفيق) وأنا بحالةٍ هستيريةٍ لأشكو له ما حل بي وما فعله معي ذلك
المستأجر ليقول لي هذا الأخير إنه سوف يحضر لي زبائن تدفع أكثر من ذلك الزبون في
المرات القادمة، وقال لي أيضاً أن هذا العمل أجدى من خدمة البيوت وتنظيفها ، وراح
يضحك بهستيرية محذراً إياي من مغبة إبلاغ الشرطة لأنه سوف يدعي بأني عاهرة و أتاجر
بالجنس، فكرت بكلامه كثيراً، وفعلاً أنا لا أستطيع أن أواجه مثل هذا الكلام،حتى
أني لم أدخل إلى قسم شرطة طوال حياتي، وكل
ما استطعت عمله سوى أني عزفت عن العمل عند أي شخص وهذا ما دفعني للتسول واستجداء
عطف ورحمة الناس علي ...
وعندما انتهت (ناهد) من سرد قصتها تنهدْتُ بعمقٍ وقلتُ لها:
صبراً على كيد الزَّمان لنا
فكل حافرِ بئرٍ واقعٌ فيها
التاريخ - 2015-09-19 11:21 AM المشاهدات 962
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا