يشكل إعلان واشنطن عزمها إرسال قوات خاصة إلى سوريا للعمل مع فصائل "معارضة معتدلة" ضد "داعش" تطورا مهما على صعيد الاستراتيجية العسكرية الأمريكية التي اعتمدها أوباما منذ توليه الحكم.
ومع أن عديد القوات الأمريكية المقرر إرسالها لا يتجاوز الـ 50 عسكريا لتقديم "التدريب والمشورة والدعم"، إلا أن مبدأ إرسال قوات عسكرية يشكل بحد ذاته مقدمة لتغييرات في التعاطي الأمريكي مع محاربة الإرهاب في سوريا والعراق، ومن شأن هذه الخطوة أن تلحق بخطوات أخرى، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع آشتون كارتر عندما لم يستبعد نشر مزيد من القوات الخاصة في المنطقة، إذا نجحت المهمة الأولية.
من الواضح أن العملية العسكرية الروسية في سوريا قد غيرت الحسابات الأمريكية، خصوصا بعد نجاح موسكو في تطوير تحالف ميداني متفرع المهام مع دمشق قد يتسع ليضم الأكراد، في حين فشلت واشنطن على مدار سنوات في إقامة تحالف ميداني داخل سوريا، وجاء انهيار برنامج التدريب الأمريكي لوزارة الدفاع ليزيد من مصاعب واشنطن في سوريا.
تحاول واشنطن عدم تكرار تجربة برنامج التدريب الذي رعاه البنتاغون (إرسال أسلحة تنتهي في النهاية بأياد معادية للولايات المتحدة)، عبر إرسال مستشارين وخبراء عسكريين للوقوف على العمليات التي ينفذها حلفاؤها الميدانيون على الأرض، فضلا عن تحقيق هدف آخر لم تفصح عنه واشنطن، وهو التأكد من أن الأسلحة الأمريكية لن تذهب إلى أطراف أخرى، كما جرى مع "الفرقة 30" التي سلمت السلاح الأمريكي لـ "جبهة النصرة".
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تقوم على زيادة النفوذ الأمريكي في ساحة القتال، بعدما شاهدت نتائج العملية الروسية على الأرض السورية، وتعتبر الاستراتيجية الأمريكية ضرورية لدعم قوى حليفة لواشنطن وتأمين الحماية لها في مواجهة "داعش" على المدى القريب، ومواجهة قوى أخرى على المدى البعيد في ظل التغيرات الميدانية المتسارعة التي يشهدها الميدان السوري.
للولايات المتحدة أولوية الآن، محاربة تنظيم "داعش"، وإطلاق عملية سياسية في سوريا، وليس صدفة أن يأتي الإعلان عن إرسال خبراء عسكريين أمريكيين إلى سوريا في نفس اليوم الذي عقد فيه اجتماع فيينا، على عكس ما أعلنه كيري من أن تزامن الإعلان مع اجتماع فيينا مجرد صدفة، وقد فهمت موسكو الرسالة السياسية حين حذرت من احتمال اندلاع حرب بالوكالة في الشرق الأوسط، لتمرر في الوقت ذاته رسالة إلى واشنطن على لسان الوزير سيرغي لافروف، من أن هذه الخطوة يجب أن تزيد الحاجة للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا.
وليس صدفة أيضا أن تبدأ ما تعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة، عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في ريف الحسكة الجنوبي في نفس اليوم الذي أعلن فيه إرسال قوات عسكرية أمريكية إلى سوريا.
ومن شأن هذه القوات أن تزيد عديدها، وتتوسع صنوف الدعم الأمريكي لها إلى أن تتحول إلى قوة محلية عربية ـ كردية، قادرة على إحداث الفرق في ساحة الميدان، بحيث تشكل الأداة العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية عند التسوية الكبرى.
ومع أن الهدفين الأمريكيين (محاربة داعش، إطلاق عملية سياسية) لا يتعارضان مع الأهداف الروسية، بل هما متكاملان، إلا أن لواشنطن وموسكو أهدافا بعيدة متباينة وإن التقيا في العناوين العريضة، فالولايات المتحدة لا تريد أن تنتقل سيطرة الأراضي التي ستحرر من "داعش" إلى يد الحكومة السورية.
أما روسيا، وإن كانت تتلاقى مع واشنطن في ضرورة منع سيطرة فصائل إسلامية على المناطق التي ستتحرر، إلا أن موسكو تسعى إلى نقل السيطرة على هذه الأراضي إلى الحكومة السورية.
وبغض النظر عن التصريحات الأمريكية من أن تغيير الاستراتيجية الأمريكية لن يؤدي إلى حرب بالوكالة داخل سوريا، لكن الأكيد أن هذه الخطوة تشكل تقدما مهما على صعيد المنافسة بين العاصمتين الأقوى في العالم، لا على صعيد محاربة "داعش" فحسب، وإنما وهذا هو الأهم على صعيد مرحلة ما بعد "داعش".
التاريخ - 2015-11-01 2:57 PM المشاهدات 1141
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا