شبكة سورية الحدث


(البندورة) تكشف المستور..!

  وضع المركز الوطني للسياسات الزراعية يده على الجرح بإشارته إلى “عدم وجود سياسة تسويقية محدّدة تحكم إنتاج محصول البندورة”، هذه الإشارة تنبئ بوجود شرخ كبير في عملية التعاطي الحكومي مع قطاعنا الزراعي وانعكاس ذلك على الاقتصاد الوطني ككل، وذلك على اعتبار أن هذا القطاع هو الركيزة الرئيسية لاقتصادنا، والحامل الإستراتيجي لأمننا الغذائي، ولعلّ دراسة المركز التي حملت عنوان “ملخص سلعي/ لمحة عن البندورة في سورية”، تدفعنا للوقوف على مقارنة مثيرة للجدل بين محصول البندورة الذي قفز سعره إلى مستويات غير مسبوقة لامست الـ350 ليرة سورية للكغ الواحد وسعر الموز (300– 350 ليرة للكغ)، علماً أن الأخير يُستورد من الصومال، وبالتالي يتحمّل تكاليف (نقل بحري– نقل بري-  تخمير– تغليف وتوضيب.. الخ)، بينما البندورة –ونقصد هنا الساحلية “المحمية”- لا تتحمّل سوى تكاليف النقل!.استثنائيواوضح المركز أن غياب هذه السياسة طال المحصول بشقيه الحقلي والمحمي، وبالنسبة للتخطيط لهذه السلعة فهو تأشيري لا يحمل طبيعة الإلزام، ولكن يتمّ إصدار بعض القرارات أحياناً بشكل استثنائي كما حصل عام 2006 عندما تم منع استيراد وتصدير البندورة من القطر. وبيّنت الدراسة أنه من جهة أخرى تمّ إقرار سياسة الدعم لهذه السلعة بناء على توجيهات اللجنة اقتصادية بقرار من مجلس الوزراء عن طريق صندوق الدعم الزراعي، وبداية هذا الدعم كان عام 2009 بحيث تدعم البندورة المكشوفة بخمسة آلاف ليرة لكل هكتار مزروع، ويدعم كل بيت بلاستيكي بألف ليرة. وأشارت الدراسة إلى أن المسوحات الميدانية للمساحات المزروعة بالبندورة هي التي حدّدت مقدار الدعم الزراعي الذي كان في عام 2009 بمقدار 3.6 ملايين ليرة، ليرتفع عام 2010 إلى 9 ملايين، وفي عام 2011 إلى 58.5 مليوناً، لتصل إلى 67.5 مليوناً عام 2012، ويتوقف الدعم عام 2013 نتيجة ظروف الحرب التي تعيشها البلاد والتي تمنع إجراء الكشوفات الميدانية في جميع أنحاء القطر.خللما سبق يشير بشكل أو بآخر إلى وجود خلل ما في سياساتنا الزراعية يصل أحياناً إلى درجة التخبّط، وما يتعرض له محصول البندورة يمكن سحبه على معظم المحاصيل، ولعلّ طغيان التخطيط التأشيري غير الإلزامي على السياسة الزراعية –باستثناء بعض المحاصيل خاصة الإستراتيجية منها- هو الذي أحدث هذا الخلل، ويتجلّى ذلك واضحاً من خلال عدم إلزام الفلاحين بمعظم المحاصيل وقيام الوزارة بالتدخل غير المباشر وذلك عبر إعطاء الدعم لمحاصيل دون أخرى ما يدفع الفلاحين للإحجام عن إنتاج غير المدعوم، وبالتالي فالزراعة تقوم على التجارب وما اعتاد الفلاحون على إنتاجه، دون الاعتماد على دراسات كافية تحدّد الجدوى من زراعتها، علماً أن هناك محاصيل يفترض أن تنجح ويجب استبدالها بمحاصيل أقل جدوى منها. خساراتوقد طال الخلل أيضاً المحاصيل الإستراتيجية وضرورة إنتاجها حسب الطاقة الاستهلاكية والتخزينية والتصنيعية الموجودة، فيفترض أن تتحدّد كميات إنتاج القطن –على سبيل المثال لا الحصر- بما يتوافق مع الطاقات التصنيعية، ولا يسمح بإنتاج أي كمية تفوق ذلك لأنها تؤدي إلى خسارات في حال تصديرها خاماً، فالأصح أن تصدر إما محلوجة أو مغزولة أو منسوجة لتحقيق قيمة مضافة أعلى، لا أن تصدر للخارج كما هي ليستفيد منها أكثر مما نستفيد نحن.أما القمح فلاشك أنه سلعة أساسية للأمن الغذائي في سورية، ويجب أن يقوم على وجود مخزون إستراتيجي لا يمكن التفريط به، إضافة إلى حاجة الاستهلاك التي يمكن تقديرها سنوياً، وإذا أنتجناه مروياً فنحن قادرون على التحكم به إلى حدّ كبير وتقدير الكميات الممكنة، ودعم ما يكفي لتعويض أو تبديل المخزون الإستراتيجي والاستهلاك المحلي، أما أن نقوم بإنتاجه بهدف تصديره للخارج فهذه خسارة لأننا بالنتيجة نصدّر مياهاً ولاسيما أن أسعاره في كثير من السنوات خاسرة، والحل أن ننتج كفايتنا من هذه السلع مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون المخزون الإستراتيجي لثلاثة مواسم قادمة بناءً على ما نملكه من مخزون وما هو متوقع من الإنتاج.من الآخر..!يمكن القول: إن توزيع المحاصيل على مناطق معيّنة في سورية لم يكن بناءً على دراسات وأبحاث، وإنما على خبرة الأجيال المتعاقبة التي تعلّمت من الخطأ والصواب والتجريب، فما نجح معها اعتمدته واستمرت في زراعته، وما فشل معها قلعته واستبدلته بمحاصيل أخرى، فسهل حوران تخصص بالحبوب منذ عصر الرومان وكانت تسمّى بـ”إحراءات روما” أي مخازن حبوب روما، والمناطق القريبة من مصادر المياه أنتجت الخضار نظراً لوجود إمكانية إنتاج أكثر من موسم في السنة غير معتمد على المطر، ومؤخراً أصبح هناك نوع من الغيرة ولجأ المزارعون إلى استبدال المحاصيل التي نجحت عبر التاريخ في مناطقها بزراعات أخرى كما هي الحال في حوران، حيث انتشرت زراعة الزيتون التي نجحت في منطقة الساحل منذ زمن طويل نظراً للظروف المناخية المواتية في الساحل والهطولات المطرية العالية، بينما في حوران إذا لم يكن مروياً لن يعطي إنتاجية كبيرة وسيكون خاسراً، وسيكتشف الفلاح ذلك بعد حقبة من الزمن ويقلع أشجاره.
التاريخ - 2016-01-30 11:00 AM المشاهدات 882

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا