شبكة سورية الحدث


ســــــــوريــــة حـكــــايـــة لا تنتـهــــي

جلست أمام التلفاز أستمع وأشاهد آخر الأخبار والأنباء، التي لا تخلو من مناظر القتل والدمار والجرحى والدماء، وأخبار عن إنجازات رجال جيشنا الباسل وارتقاء بعضهم للسماء شهداء....سرحت بتفكيري وعدت بأدراج ذاكرتي إلى خمس سنوات ونيف، إبان بداية الأزمة اللعينة التي تصاعدت وتصاعدت حتى غدت حرباً كونيةً معلنةً من دول عديدة على سورية، حشدت مجرميها وحثالة مجتمعاتها، ومرتزقتها من دول العالم أجمع، وتسللت عبر حدودنا، لتنفث سمومها الزعاف، تخرّب وتدمّر وتقتل وتفجّر، وتستبيح دماء السوريين بالنزيف والرعاف، حرباً من أشد أنواع الحروب بشاعةً وضراوةً، حاملةً إلينا أحداثاً مؤلمة أوجعت ضمائر السوريين الشرفاء، وأدمت قلوب الوطنيين الأوفياء...قـطــــار الـذكـــريـات... ومقتطفـــات مــن الـتــاريـخ هــي المـحـطـــــاتعدت بذاكرتي إلى مهرجان طريق الحرير الأخير لعام 2010 الذي قام برعاية وزارة السياحة، وكان تحت عنوان (سورية... ملتقى للجميع)، استضافت فيه قوافل الإعلاميين من أنحاء العالم، جلنا معهم ربوع سورية الغنية، وأغلب مدنها وأوابدها الأثرية، والتي عكست الدهشة والإعجاب اللامتناهي على محيّا من رآها، ورسمت البسمة على شفاه من عشق ثراها...كيف لا؟؟!!! وهي منذ أكثر من عشرة آلاف عام تعلّق نجمها عالياً شرق المتوسط، فأضاء الليل للبحارة والتجار والعابرين، والفرسان والشعراء والقديسين، وإن أردنا الحديث عن سورية ترانا حائرين تائهين من أين نبدأ؟!!...هي بلد ليست كسائر البلدان، بل تكاد تكون متفرّدة بخصائصها عن بلدان العالم، إنها أنشودة الزمان، ومصدر النور، وحجارة الأبجدية، وينبوع الهوية...فمنذ أن وُجدت كانت وطناً للحقيقة والحقّ والمعرفة والحوار، منها كانت البداية، ومنها خطتِ الحضارة الإنسانية أولى خطواتها، إنها سورية التي لو قلّبت حجارتها لوجدت قلب الحضارة النابض في ترابها أنّى اتجهت، من أول بيت مسكون، وأول حنطة مزروعة في أريحا وسهول حلب، إلى القباب والمسارح، وذكريات القديسين والأئمة وشهداء التوحيد والعدل الإلهي.ففي سورية تشمخ القلاع، وتسخو السهول، ويلتقي الإنسان بأنبل ما أنتج الفكر شعراً ونثراً وآثاراً، منها خرج الإسلام الحنيف ليعمَّ الدنيا, ومنها انطلق القديس بولس لنشر المسيحية السمحة في العالم أجمع...فيها بدأ البناء الحجري، وهـندسة العقد والقناطر، وبناء المعابد الكبرى والقلاع، وتحصين أسوار المدن، وهنا تتجلّى روعة مبدعيها ومعماريها عبر التاريخ حيث نستذكر أبولودور الدمشقي الذي بنى روما فجاءت  تحفة الزمان، أما في ميدان التشريع فقد خرجت من سورية أقدم الشرائع وفي طليعتها تشريع آورنمو /2100/ق.م, وتشريع بلالاما, وتشريع حمورابي وهو أكمل التشريعات القديمة وأوسعها.إن سورية هي أول من بنى حضارةً مكتملة في العالم بكل مؤسساتها الحكومية في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد وذلك على يد العموريين, فيها كانت أقدم التجارب العلمية والفنية في مدرسة ماري للنحت, وفيها أيضاً أقدم العقائد الروحية والمذاهب الفكرية والقصص الميثولوجية، وأقدم الكنائس المسيحية في سمعان واللوزة وكنائس المدن الميتة (المنسية), كما أن لغة السيد المسيح الآرامية تتكلمها أربع قرى في العالم كله هي (معلولا – جبعدين – بخعة – قلدون)، وهذه القرى الأربع جميعها موجودة في سورية، أما مملكتي ماري وإيبلا فقد محت رقمهما المسمارية كل التوقعات والتكهنات القديمة وأعادت كتابة تاريخ الشرق القديم...الـســـــوريـــون هـــــم الأوائــــــلكما كان السوريون أول من استعمل النحاس الطري, ثم جمعوا بين النحاس والقصدير واستخرجوا البرونز, فبدأت صناعة التعدين، ثم استعملوا الحديد منذ أواخر الألف الثانية قبل الميلاد، وهم الذين اخترعوا السفن والزجاج، ووضعوا نظام الحساب، واستخدموا العربات، واخترعوا الدواليب، ومهروا في صناعة النسيج، أضف إلى أن دورا اوروبوس كان فيها /14/ معبداً وثنياً لدياناتٍ مختلفة، مما يدلّ على السماحة الدينية في سورية منذ فجر التاريخ وحتى الآن.ولا ننسى أن الكثيرين من رجال العـلم والفلسفة خرجوا من سورية أمثال أبي الفلسفة (طاليس الكنعاني)، ومؤسس الرواقية (زينون الفينيقي)، ومؤسس الأفلاطونية الحديثة (نومينوس الأفامي)، وإلى جانب هؤلاء هناك العديد من الفلاسفة السوريين من مختلف المدارس الفكرية, وكذلك العقائد الدينية خرجت من سورية، أما في مجال الموسيقى فقد صدّرت سورية نحو ثلاثين آلة موسيقية ما بين آلة نفخ وقرع ووتر, وأقدم أغنيةٍ مدونة  جاءت من أوغاريت (1400) ق.م.ســــــــوريــــة.... حـكــــايـــة لا تنتـهــــيمـن الأبجــديـة الأولـى.... إلـى مـلاحـم الـوجــود ولا نغالي إذ قلنا أن من سورية كانت البداية، ومنها ابتدأت الحكاية، وستستمر إلى لا نهاية، إنها وطن الأبجدية الأولى، واللحن الأول، والمكتبة الأولى، والمحراث الأول، والملحمة الأولى، والمركب الأول، والمرآة الأولى، ودورق الفخار الأول، والسباق الأولمبي الأول، وأطواق الغار الأولى... وقد قال عنها المؤرخ الشهير ويل ديورانت: "سورية هي من علّم البشرية كل شيء تقريباً"، كما قال عنها أيضاً الباحث أندريه بارو محافظ اللوفر السابق: "لكلّ إنسانٍ متمدّن في العالم وطنان، وطنه الأصليّ الأمّ وسورية"...فـسورية كانت وستبقى حكاية الوجود الأولى التي لا تنتهي...مـفــــارقــــة بيـــن الـمــاضـي والـحـــاضـركل ذلك جال في خاطري ومرّ بذاكرتي كالبرق، أخذني في رحلة ما بين ماضٍ ليس بالبعيد، وحاضر مرير نعيشه الآن، مليء بالإرهاب، يزكم أنوفنا برائحة البارود والموت، لم يكن أحد منّا ليتخيل أن ذاك المهرجان السياحي الذي حمل العنوان الحضاري... (سورية ملتقى للجميع)، وضمّ قوافل من الإعلاميين العالميين الذين تجولوا بمدن وبلدان كثيرة، وكانوا مبهورين معجبين بكل ما رأوه وعاشوه في سورية، وبالأمن والأمان الذي كان العنوان الأبرز لكل ما سطروه عن سورية في مقالاتهم عندما عادوا إلى بلدانهم، لم نتخيّل أن نعيش المفارقة اللعينة فتغدو سورية اليوم ملتقى للمرتزقة الإرهابيين من جميع أنحاء العالم، يجوبون أرضنا الطاهرة، ويستبيحون مقدساتها، يهدمون جوامعها، ويحرقون كنائسها، ويسرقون آثارها، ويقتلون بغدرهم سكانها، ويعبثون بإجرامهم في كل أركانها، لم يكن يخطر في البال أن تكتسحنا شرور الأشرار بهذا الشكل الشنيع وبذاك الأسلوب المريع، فسورية عبر تاريخها لم تصدر للعالم إلا رسائل المحبة والسلام والنور والوئام...يؤلمنا في الصميم ما نراه الآن في أرجاء بلدنا من دمارٍ وتدمير، وخرابٍ وتخريب، وعبثٍ من المارقين المجرمين، الإرهابيين القذرين، الصهاينة المتأسلمين، أجانبَ كانوا أو أعراب خانعين، أو حتى سوريين خائنين، جاؤوا ليدنسوا تراب بلدنا الطاهرة منذ الأزلية، ويدهورا حالتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، يدمروا بنيانها وبنيتها التحتية، ويرتكبوا جرائم ومجازر بحق الإنسانية، عبر التاريخ لم تعرف مثيلها البشرية، يخربوا أمجادها وأوابدها التاريخية، ويسرقوا تراثها وآثارها الغنية، ويتم تهريبها لتباع في الدول الغربية والخليجية، التي تستبيح دماء إخوتنا وأخواتنا السورية...لكـــــن... تمهّلوا يا أعداء الإنسانية، إنها هويتنا العربية السورية الأبية، وممتلكاتنا ذات القدسية، فتوقفوا.. وتنبّهوا.. ونشّـطوا عقولكم المسترخيّة، وأعملـوا ضمائركم اللاحيّة، وابتعدوا عن الخصال الخَـزِيّة، يا من تقبعون في الظلام واستسلمتم للدّنيّة، يا من بعتم ضمائركم وشرفكم بالدولارات الصهيوأمريكية.....نعم..... حين سرحت بخيالي إلى تلك الرحلة السياحية لمدننا والدرر السورية، المكتنزة بمعالمها وبأوابدها ثرية، وجيشنا العربي السوري المغوار يخوض معركة العزة والفخار، وبواسلنا ونسورنا في حالة حرب شعواء، يسطرون فيها ملاحم من البطولات والأمجاد والفداء، لتُخلّد بالتاريخ ويدرسها الأحفاد والأبناء، فكرت بمسألة غاية في الأهمية، حيث أن المارقين المخربين يستغلون الفوضى والخراب والغوغائية، ويقومون بأعمال السرقة واللصوصية ويعملون على طمس معالمنا الأثرية، محاولين تجريدنا من أصالة هويتنا الحضارية... وبعد أن كانت سورية جنّة غنّـاء وبلـد الأمن والأمان، باتت فيها الآثار تُهرّب والقلاع تُدنّس، وهي بحق كنوز لا تُقدّر بأثمان، عمرها قرون وصيتها شائع في كل مكان، وكم من أجيال وأجيال مرّت عليها عبر الأعوام والأزمان، جعلـت مـن ســـورية مقصـداً هـامـاً من المقـاصـد الســياحـيـة مـن بيـن جميــع البـلــدان...نعم... فـقــــد كانت ســـــوريتنـــا مقصــــداً هـــامـــاً من المقـــاصــــد الســــيـــاحــــيــــــة العـــالميــــــة الهــــــامـــــــة التي أُدرجت على قـــائمــــة المقـــاصــــد الســــيــاحـيــــة العشــــــرة عــلــــى مســـــتــوى العـــــالــم في الأعوام 2009 – 2010 – 2011ســـــوريــة..... ســـتعــوديــن وطــن الإنـســـانـيــةفيا أخوتي السوريين.... من معارضين أو مؤيدين، حياديين أو مغررين، أو لأي مصطلحات منتمين؟!... باستثناء المتورطين والمجرمين والإرهابيين... كفّــوا عن النزاع والصراع، والتفتوا لبناء سوريتكم بالعمل والعلم والمعول واليراع، لتعود كما كانت آمنة مستقرة، ووطناً للإنسانية، ونقول للأيام المرّة: ((الـــــوداع))...إنها سورية التي كانت أبد الدهر جسراً يصل بين الحضارات والثقافات، والتي اتسعت رحابها للأحبة فدخلوها بسلام آمنين، وضاقت أبراجها بالغزاة فاندحروا خائبين، وستبقى أبيّةً تردّ كل الغزاة الطامعين، وتهزم الإرهاب والإرهابيين، لنزرع في شوارعها الورد الجوري والياسمين، وتعبق في أزقتها أزهار النارنج والرياحين...فـــــلاشـــــــات• قـطــــار الـذكـــريـات... ومقتطفـــات مــن الـتــاريـخ هــي المـحـطـــــات• ســــــــوريــــة.... حـكــــايـــة لا تنتـهــــيمـن الأبجــديــة الأولـى وأطــــواق الـغــار الأولـى.... إلـى مـلاحــم الـوجــود ســــــــــــــوريــــة..... عـبـــق الـتـــــاريـــخ وأمـــــل المـســتقبللــيـنــا أنطـــون
التاريخ - 2016-03-15 2:29 PM المشاهدات 1784

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا