على هامش امسية شعرية في المحافظة واجتماع لجنة تمكين اللغة العربيةعبد الرحمن تيشوري / كاتب وباحث سوريبعد أن أتى الجراد السياسي والارهاب التكفيري الظلامي الاسود الوهابي الصهيوني في الوطن العربي على الاوابد والعاديات والحاضر والمستقبل، يبدو أنه الآن قد التفت إلى الماضي، وذلك حتى لا يجد الإنسان العربي ما يسند ظهره إليه في مواجهة الأخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه، بدليل هذا الحنو المفاجيء على لغتنا العربية وتمكينها واجتماعات ولجان للتمكين، وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات وتلفزيونات سورية و المنطقة، على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار، حتى لم يعد احدنا يعرف كيف يقرأ رسالة أو يدوّن رقم هاتف او يكتب مقالا او بوست على موقع الفي سبوك الشغل الشاغل لكل شباب ورجال ونساء الامة والوطن في هذا الوقت الحرج والصعب والمعقد والعصيب.ومع احترامنا لكل حرف في لغتنا وللمتنبي والمعري والسياب والجواهري والقباني وشوقي وعلي محمود طه وللخنساء وازدهار رسلان وغادة السمان وكوليت الخوري وانيسة عبود، ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل:ما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحا... والوطن العربي كله ونفسه معتلاً ومضروبا ؟أو اذا كانت هذه الجملة أو تلك مبنية على الضم أو الفتح او منصوبة او مجرورة ... والمستوطنات الاسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين. والارهاب يضرب كل مكان وفي ليبيا وسورية واليمن والعراق والجزائر وتونس ومصرثم، لم وجدت اللغة أصلاً في تاريخ أي أمة اوشعب؟ أليس من أجل الحوار والتفاهم والتواصل بين أفرادها وجماعاتها واحزابها ومنظماتها ومثقفيها ومدرسيها؟فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا؟هل هناك حوار مثلا بين التاجر الفاجر والزبون المستهلك الفقير؟بين العامل المتسلط المتهرب من الضرائب ورب العمل الفقير الذي يوقع استقالته قبل ان يباشر؟بين المالك الجشع الذي يرفع الاجرة كل عقد والمستأجر المستكين المسكين الذي لم يعد قادر على دفع الاجرة؟بين الراكب والسائق؟بين المحقق والمتهم؟بين الابن والأب؟بين الام وابنتها ؟بين المدير الموظف ؟أو بين الزوج والزوجة؟بين مدير صفحة الفيس بوك واعضاء المجموعة والصفحة ؟بين الحزب ومتحزبيه ؟بين اعضاء البرلمان والشعب ؟؟أيضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء، أو تجيب على أي شيء. فالأسعار، مثلا في السينما، مكتوبة في كل بطاقة، وفي المستشفى، فوق كل سرير. وفي المطعم، في كل فاتورة، وفي كل محل تجاري وبائع فروج ولحام وبائع اركيلة ومقهى وكل ما حول المواطن السوري و العربي أصبح سعره واضحاً ومعروفاً ومكتوباً على جميع جوانبه، من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات إلى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين والاعلاميين وووولم يبق إلا أن يكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال. لا بل حصل ذلك خلال الترشيح والانتخابات والقوائم التي شكلت وعرفت سلفاوالأهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق العربي المطضرب؟فأي مسؤول انكليزي، مثلاُ، عندما يختلف في الرأي مع أي كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لاقناع مستمعيه.والايطالي يأتي بحجة من دانتي.والفرنسي يأتي بحجة من فولتير.والألماني يأتي بحجة من نيتشه وفيخته.أما أي مسؤول عربي فلو اختلفت معه حول عنوان قصيدة لأتاك بدبابة اوسلاح او سيف او ساطور كما يفعل دواعش بني سعود فتفضل وناقشها.ولذا صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لايواء اللسان والأسنان وبعض الطعام القليل جدا هذه الايام لا أكثر. وفي مثل هذه الأحوال:ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة طائرات مثلاً؟أو الفتحة والضمة أمام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟ماذا يفعل الفاعل اما صاروخ تاو الموجه ؟؟وماذا يفعل المضاف مع كاليبر وسو 35 ؟؟وما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز / حوار الطرشان / او قل ما تشاء ونحن نفعل ما نريد / فلن ترتفع إلا الأسعار.ولن تنصب إلا المشانق.ولن تضم إلا الأراضي المحتلة.ولن تجر إلا الشعوب.لذلك كلما قرأت أو سمعت هذا أو ذاك من الشعراء والصحافيين أو المذيعين العرب "يجعجع" عن العلمانية والتشاركية و التواصلية الديموقراطية والعدالة والحرية، وينتصر على الصهيونية والارهاب وداعش ويقضي على التخلف، ويتوعد هذا ويهدد ذاك، وهو جالس في مقهاه، أو وراء مذياعه، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط إلى الخليج وتكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي، وتكليف موظف مختص وراء أذنه قلم وأمامه سجل بجميع الكتاب والشعراء والأدباء العرب والمفكرين والصحفيين والبرلمانيين وينادي عليهم بأسمائهم ويسألهم فرداً فرداً: - أنت أيها الشاعر التقليدي كم كلمة من أمثال: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.- وأنت أيها الشاعر الحديث، كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي ابداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة.- وانت أيها المذيع العصبي، كم كلمة من أمثال: " في الواقع "، " في الحقيقة "، و"جدلية" ، و"شمولية"، و" نظرة موضوعية " و" قفزة نوعية " ، تريد؟ تفضل مع ألف سلامة.- وأنت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة، كم كلمة من أمثال: ارهاب وتطرف و دم، دماء، استعمار، امبريالية، شعوب، "وحدة الشعوب "، " وحدة المصير "، كوبا، نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع ألف سلامة.فقبل احترام اللغة وتمكينها ونصبها وجرها ورفعها يجب احترام الانسان الذي ينطق بها وتمكينه ورفعه واطعامه واشباعه والاستماع اليه.
التاريخ - 2016-04-07 12:50 PM المشاهدات 890
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا