بقلم محمد الحلبي – رولا نويساتي مواطنون.. لا يصلح العطار ما أفسده الدهر.. أدت الحكومة الجديدة برئاسة المهندس عماد محمد ديب خميس يوم الاثنين الماضي القسم الدستوري أمام السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد، وبعد أداء القسم الدستوري أكد السيد الرئيس ومن خلال لقائه بأعضاء الحكومة على عدة نقاط هامة طلب فيها من الحكومة الجديدة أن تضعها في أولويات جداول أعمالها نذكر منها: الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين وضرورة العمل الميداني لملامسة معاناة الناس ومعرفة احتياجاتهم، والعمل على ضبط الأسعار، والحفاظ على قيمة الليرة السورية، وتعزيز موارد الدولة، بالإضافة إلى ضبط وترشيد النفقات مع عقلنة الدعم الحكومي للمواد الأساسية، وتحقيق العدالة في التحصيل الضريبي ما بين القطاعين العام والخاص، كما أكد سيادته على الاهتمام بعوائل الشهداء وجرحى الجيش وإعطاؤهم حقوقهم كاملةً وفق إجراءات مبسطة وسريعة..وقد لا يخفى عن أحد أن الحكومة الجديدة قد ورثت من سابقتها إرثاً ثقيلاً وقضايا معلقة تنتظر أن يُتَخَذ فيها قرارات حازمة، ولعل أهمها هي تلك القرارات التي تتعلق بشؤون المواطنين بالدرجة الأولى، فبقيت حبيسة الأدراج في الوزارات تنتظر من يخرجها لتترجم على أرض الواقع، كقانون العمل الجديد والقانون الأساسي للعاملين في الدولة وتعديلاته رغم أن الحكومة القديمة وعدت مراراً وتكراراً وفي كل مناسبة أن القانون أصبح جاهزاً وفي مراحل صياغته الأخيرة، وقد لا يختلف الوضع أيضاً بوعود الحكومة القديمة في الجانب الاقتصادي من ضبط الأسعار والسيطرة على الأسواق ومحاسبة المفسدين، لكن النتيجة كانت واحدة وهي وعود ذهبت أدراج الرياح..لذلك نجد أن المواطنين لا يعلقون آمالاً كبيرة على عمل الحكومة الجديدة وإن اختلفت رؤاهم وآراءهم وطموحاتهم وحتى أحلامهم وآمالهم، ليبقى القاسم المشترك وبنسبة كبيرة بين كل من التقينا بهم في الشارع السوري هو الاتفاق على ضعف الإمكانيات المتاحة أمام الحكومة الجديدة، وأنها لن تختلف عن سابقتها التي اتخذت من الأزمة شماعةً لتعلق عليها تقصيرها في انجاز مهامها تحت ذريعة (حكومة أزمة) فابتعدت عن الواقع واكتفت بالتصريحات، وسمعنا جعجعةً لكننا لم نرى طحناً..مواطنون.. الحكومة الجديدة كالولادة من الخاصرةكانت تستعد لدخول قاعة الامتحان في كلية الحقوق عندما قمنا بسؤالها عن رأيها في الحكومة الجديدة فقالت لنا الطالبة (رحمة): لا شك أن الحكومة الجديدة جاءت في ظروفٍ صعبة تمر بها البلاد، لكن أرجوا منها أن تنتشل المواطنين الذين باتوا على خط الفقر، وأن تسعى لمعالجة مشاكلهم في كافة مجالات الحياة وخاصة تلك المتعلقة بأمور الشباب وإيجاد فرص عمل لهم من خلال تفعيل دور مكتب تشغيل الشباب..أما المهندس (عدنان) فقال: يجب إعطاء الوزراء صلاحيات واسعة، وبدورهم يتوجب عليهم القضاء على الروتين والبيروقراطية في وزاراتهم، والتعامل بروح القانون مع العديد من القضايا خدمةً للمواطنين وتماشياً مع واقعهم الاقتصادي، وتحديد جداول زمنية لمعاملاتهم كي يتم انجازها بالسرعة الممكنة بغية القضاء على الرشاوى والمحسوبيات، والعمل على تفعيل صناديق الشكاوى في كل وزارة والتجاوب معها، لا أن يبقى صندوق الشكاوى مجرد صندوق فارغ تبني فيه العناكب قصوراً لها..في حين بدا السيد (أبو عهد) أكثر تشاؤماً عندما قال لا أعتقد أن الحكومة الجديدة ستُحدث تغييراً على أرض الواقع، إذ أن نسبة كبيرة من وزرائها كانوا أعضاءً في الحكومات السابقة، ولو كان بإمكانهم تقديم أفضل من ما كان لكانوا قدموه سابقاً وانتهى الأمر، على كل حال الأيام القادمة كفيلة بتقييم الجميع، ونتمنى أن نرى تغييراً حقيقياً على أرض الواقع، وأن يكون المواطن وهمومه هو من أولويات عمل هذه الحكومة، وأن تكون معه لا ضده، وأن تبحث عن موارد لخزينتها بعيداً عن جيوب المواطن..لكن رأي السيد (مروان) كان مخالفاً لسابقه، فهو يرى أن الحكومة الجديدة تضم كفاءات عالية وبإمكانها تقديم الأفضل للمواطنين إذا ما استطاعت استثمار مواردها بشكل أفضل، وعملت على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الصديقة فإن هذا سيعود بالنفع والفائدة على البلاد.. أما السيد (أبو محمد) صناعي فتمنى من الحكومة أن تقوم بدعم الصناعات المحلية وتقدم التسهيلات للصناعيين كي يقوموا بواجباتهم على أتم وجه تجاه الوطن، وأن تضع الحكومة في حسبانها أن التجار والصناعيين ليسوا خصوماً للبلاد يتوجب وضع العراقيل والضرائب أمامهم كي تجني الحكومة أكبر قدر ممكن من أموالهم، بل على العكس تماماً كلما كانت التسهيلات المقدمة للتجار والصناعيين كبيرة كلما قلّت تكلفة الإنتاج، وبالتالي سينعكس ذلك على المواطن بشكلٍ إيجابي..الحكومة في عيونٍ خبيرحملنا آمال الناس وطموحاتهم ووضعناها أمام عيونٍ خبير قادرة على تحليل الواقع، فتحدثنا إلى الدكتور (محمد الحسين) أستاذ مادة القانون الإداري بكلية الحقوق في جامعة دمشق فقال: بدايةً لا يمكننا إعطاء أحكاماً مسبقة على عمل أي حكومة ما لم تأخذ فرصتها لإثبات كفاءتها في خدمة مواطنيها، وبكل الأحوال يسعى المواطن دائماً لأن يرى وجوهاً جديدة في كل تشكيل حكومي كي يستبشر خيراً، وأنا أقول حقيقةً أنه يكفينا تغيير الطاقم الاقتصادي للحكومة القديمة، فهو لم يكن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، لهذا شدد السيد الرئيس في لقائه مع أعضاء الحكومة الجديدة على تحسين الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطن السوري، والكل يعلم أن الحكومة الجديدة ضمت ثمانية عشر وزيراً جديداً، وهذه نسبة جيدة باعتقادي، وقد سمعنا مؤخراً أن الحكومة الجديدة عازمة على إنشاء مجلس اقتصادي اجتماعي في مجلس الوزراء، وهو مجلس استشاري لوضع السياسة العامة للحكومة، وصياغة القوانين قبل صدورها بشكلٍ جيد، حيث غالباً ما تشهد القوانين عدّة تعديلات بعد فترةٍ وجيزةٍ من صدورها، ونأمل أن يحذو مجلس الشعب حذو الحكومة بإنشاء مثل هذا المجلس بحيث يضم أعضاء مشهود لهم بالأمانة والنزاهة، وبالنسبة للحكومة القديمة لا نريد تحميلها كل المشاكل والمآسي التي تمر بها البلاد، لكن نتمنى على الحكومة الجديدة الاستفادة من أخطاء سابقتها وأن تكون آليات العمل وأدواته واضحة حتى تصبح المسائلة سهلة، ولعل أهم تحدي أمام هذه الحكومة الوليدة هي إيقاف ارتفاع الأسعار وتحسين الوضع المعيشي للمواطن، فالمواطن لا يستحق منا إلا التكريم، وبنفس الوقت يتوجب على المواطن أن لا يطلب المستحيل من الحكومة في ظل الظروف التي نعيشها من حربٍ وعقوباتٍ دولية وحظر اقتصادي وغيره.. وهنا بادرناه بسؤال على هامش اللقاء حول قانونية القرار التي أصدرته الحكومة السابقة في نهاية عهدها والمتعلق برفع أسعار المحروقات، فأجاب: لا يجوز لحكومة تسيير الأعمال أن تتخذ قرار يترتب عليه أي نفقات مالية، ولا يجوز أن تتخذ أي قرار يمكن أن يلقي على كاهل الخلف (أي الحكومة الجديدة) أي التزام، وحقيقةً هناك نظرة جدية لإلغاء هذا القرار أو تعديله، ففي كل دول العالم يكون ارتفاع الأسعار ضمن حيز معين وبعد دراسة اجتماعية واقتصادية ومالية، وأضاف د.الحسين أنه يتوجب على الحكومة الجديدة تحديد أهدافها ودراسة الوسائل الكفيلة لتحقيق غاياتها بأقل تكلفة، وأن يكون العمل ممنهج، وأن يقوم كل وزير بسؤال نفسه ثلاثة أسئلة:لماذا أنا؟ من أنا؟ كيف أحقق الأنا؟ وطبعاً لماذا أنا أي لماذا تم اختياري كوزير لأشغل هذا المنصب من بين كل الناس.. ومن أنا في هذه المؤسسة وما هي الآليات التي يمكن الاستفادة منها لخدمة من وُضعت في هذا المكان من أجلهم.. وكيف أحقق الأنا من خلال معرفتي بتركيبة المؤسسة التي أنا فيها، ومعرفة نقاط ضعفها وقوتها، وبذلك تسير الوزارة بالشكل الصحيح، وعندما يأتي الخلف يكمل مسيرة العمل الذي أسسنا له لا أن يبدأ من جديد.. وقد ختم الدكتور الحسين حديثه لشبكة سورية الحدث أنه يجب أن يكون أداء الحكومة الجديدة متوافقاً مع أداء الجيش، وأن يكون هذين المسارين متلازمين، لا أن يحقق الجيش انتصارات يقابلها انتكاسات داخلية مؤسساتية وتخبط في القرارات، وتمنى أيضاً أن تولي الحكومة الجديدة اهتماماً كبيراً بأسر الشهداء وعائلاتهم..أما الدكتور علي كنعان أستاذ مادة الاقتصاد المالي بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق قال إن الحكومة الجديدة قادرة على إحداث تغيير جذري في واقع البلاد، وأن تفعل كل شيء لأنها تمتلك القرار، وتمتلك آليات التغيير على أرض الواقع، فلماذا يكون البعض سوداوياً ويقول أن الظروف غير مناسبة لعمل أي شيء.. الحكومة قادرة أن تفعل كل ما تريد الوصول إليه، فمثلاً زيادة الانتاج من السلع الصناعية والزراعية من أبسط الأمور التي تستطيع الحكومة القيام بها، وهذا الأمر لا يتطلب من الحكومة سوى أن تُقيم بعض المنشآت الجماعية على أطراف المدن لتجميع ورشات العمل بحيث تقدمها للمواطنين بأسعار رخيصة، وأضاف د.كنعان: لقد سمعنا من الحكومة مراتٍ عديدة أن باستطاعة أي مُنتِج أن ينقل منشأته من المناطق الساخنة إلى المناطق الآمنة دون أي عقبات أو عراقيل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يستطيع فرد أن ينقل منشأته؟.. وهل تقبل محافظة دمشق بإقامة منشأة داخل المدينة؟.. الجواب بكل تأكيد لن تقبل..وهنا نعود للمقدمة ونقول أنه يتوجب على الحكومة أن تُقيم عدد كبير من الهنغارات الصناعية بين دمشق والجديدة أو قطنا، وأن تدعوا الصناعيين للعمل هناك، وأن يكون نقل المنشآت على نفقة الدولة وليس على نفقة المُنتِج، وإن كان هناك زيادات لا بد منها فلتكن بنسب معقولة، ففي كل دول العالم غالباً ما تكون نسب الزيادة على السلع من 1 إلى 5% فلماذا لم تحذو الحكومة السورية حذو الدول الأخرى؟ لماذا رفعت الأسعار قرابة 40% ؟ الجواب بكل بساطة لأنها عاجزة عن تحصيل الضرائب أو فرض رسوم جديدة، لذلك تلجأ إلى هذه المواد التي تتحكم بتوزيعها، ومن جهةٍ أخرى إذا قارنا أسعار المنتجات السورية مع مثيلاتها من المنتجات العالمية نجدها قد فاقتها سعراً بكثير، فلماذا هذا الضغط على أسعار المحروقات والطاقة التي تقوم بدورها برفع أسعار كافة السلع الأخرى؟ هذا التصرف الحكومي كان غير رشيد ويجب إعادة النظر فيه.. وأشار د.كنعان إلى عدة نقاط افترض أن تضعها الحكومة الجديدة في أولويات برامج عملها نذكر منها: 1- دراسة وضع الرواتب والأجور بحيث تصبح قريبة من الواقع لأنه وبحسب صندوق النقد الدولي فإن جميع موظفي القطاع الحكومي أصبحوا تحت خط الفقر، فأصبح وسطي الراتب لا يستطيع أن يعيل حتى صاحبه بمفرده..2 – الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة وتأمين مكان مناسب للعمل والإنتاج بحيث تبدأ هذه الشركات بإنتاج السلع الوطنية الرخيصة من جديد..3 – توجيه المصارف لمنح قروض لهذه الشركات كي تدفع عجلة الإنتاج إلى الدوران من جديد، لأنه من غير قروض لا يمكن لأي منشأة أن تعاود عملها..4 – تحديد أسعار صرف ثابتة لاستيراد المواد الغذائية كي تبقى هذه الأسعار متوافقة مع مستوى الرواتب والأجور، فهل يعقل مثلاً أن يكون راتب الموظف 30 ألف ليرة سورية شهرياً وسعر كيلو الزيت 800 ليرة سورية، أي ما يعادل 2,5 % من إجمالي الراتب والحكومة لا تحرك ساكناً...وأخيراً تمنى الدكتور كنعان للحكومة الجديدة التوفيق في عملها، وأن تكون على مستوى آمال وطموحات المواطنين..ختاماًقد تبدوا الآمال كبيرة.. وكل مواطن يطمح بأن يرى سورية كما كانت قبل عام 2011، وقد ننسى أو نتناسى أن ما تم تخريبه في يوم بحاجة إلى سنوات لإعادة بنائِه من جديد، لذلك يجب علينا أن نتكاتف جميعاً، شعباً وجيشاً وحكومةً وقيادةً إذا ما أردنا أن يعرِّش الياسمين على أصابعنا من جديد، وعسى أن يكون هذا اليوم قريباً...
التاريخ - 2016-07-17 12:39 PM المشاهدات 1527
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا