ناصر قنديل - خلال شهور ماضية كان يجري الحديث عن تفاوض روسي أميركي محوره سورية، يجب إنجازه مع نهاية آب ليكون ما تبقى من شهور ولاية الرئيس الأميركي وقتاً متاحاً لتنفيذ بنوده السياسية والعسكرية، وكان مفهوماً لدى الحديث عن هذا التفاهم كمشروع وافتراض، تؤمن قلة بإمكان تحققه، وتعتقد الكثرة الغالبة من المنتمين لضفتي الصراع في سورية باستحالته، أنّ المقصود هو تسليم أميركي باستحالة النصر في سورية واستحالة تمرير الوقت لفرض تفتيت واستنزاف سورية وحلفائها، وترك الحرب المفتوحة تنهش سورية حتى تتبلور لدى ساكن البيت الأبيض الجديد خطة وتصوّر ورؤية، لضمان موازين قوى أفضل لحساب أميركا في معادلة سورية والمنطقة، وعبرهما في العالم، واستناداً لفرضية التسليم الأميركي التي يقوم عليها التفاهم لم يعد أحد يناقش أو يتوقع أن يكون مصير الرئيس السوري بنداً فيه، ولا موضوعاً له، بعدما طوى المراهنون على استعداد وقدرة موسكو للتنازل عن حليفها الأول في الشرق الأوسط رهاناتهم، فإنّ هذا التفاهم يمنح واشنطن شراكة في نصر يستهدف ضرب مواقع داعش، مقابل شراكة في تغطية الحرب على جبهة النصرة مهما تبدّلت التسميات، وإخراج لمن يمكن أن يجري إخراجهم من جماعات مسلحة من تحت عباءة النصرة إلى الشراكة في الحرب على داعش لحجز مقعد في تسوية سياسية تقوم على تشكيل حكومة موحّدة بقيادة الرئيس السوري تمهيداً لنهاية الحرب والذهاب لانتخابات رئاسية ونيابية وفقاً لدستور جديد يتفق عليه.- خلال الأسبوع الأخير تصاعدت علامات الحديث عن الاقتراب من إنجاز هذا التفاهم، وارتفعت معها نسبة المنتقلين من إنكار كامل لإمكانية حدوثه إلى جعله فرضية ممكنة ثم مرجّحة، وربما غداً تصير حتمية. والجوهري في التغييرات التي حملتها عملية التمهيد لإنضاج فرص التفاهم تمثلت في إغلاق الطريق أمام واشنطن للرهان على اللعب مع الوقت، فقد تكسّرت قدما الحصان الذي أسرجته واشنطن لهذه اللعبة، وهو الجسم العسكري الكردي الذي باعته حلم شريط حدودي متصل مقابل خوض حربها على داعش، لتستغني عن الحاجة إلى تفاهم مع موسكو يضمن مشاركة قوى برية يمثل الجيش السوري عصبها، لا يمكن بدونها تحقيق تقدّم نوعي في الحرب على داعش، والذي جرى مع تبلور الخيار الأميركي الكردي هو تسريع إنضاج التفاهم التركي الروسي الإيراني، ورفع عنوان التمسك بوحدة سورية إلى مصاف الحرب على الإرهاب، كقضية أمن قومي يلتقي عليها الأطراف الثلاثة، وتذوب عندها الخلافات حول المستقبل السياسي للحكم في سورية، بعدما شعرت تركيا بتقادم الأمر الواقع الكردي، واستشعرت اتجاه حلفائها في الحرب على سورية لقبول توزع مناطق نفوذ عسكرية في سورية بعد التسليم باستحالة السيطرة عليها، وهذا يشمل الأميركي والسعودي و«الإسرائيلي . وهو ما يعني شرعنة واقعية لإمارة النصرة كثمن لتركيا مقابل شرعنة دويلة كردية غير معلنة تريدها واشنطن، وهو ما حسم الأتراك أنه صفقة باطلة غير مقبولة، ليذهبوا إلى الصفقة المعاكسة، ومضمونها إزالة إمارة النصرة مقابل إزالة الدويلة الكردية، وينخرطوا من ضمن التحالف الضمني مع روسيا وإيران، في دور معاكس للدور الكردي في التحالف مع واشنطن، فبمثل ما يقوم الأكراد بوصل مناطق انتشارهم ليكتمل الشريط الحدودي، مقابل كلّ إنجاز يقدّمونه للأميركيين ضدّ داعش، ذهب الأتراك لتفكيك حلقات هذا الشريط، مقابل كلّ إنجاز يقدّمونه للروس والإيرانيين، يقومون به بسحب جماعات مسلحة من تحت عباءة النصرة للمشاركة في الحرب ضدّ داعش، والحاصل الذي فرضه هذا التموضع التركي المتسارع ميدانياً وليس سياسياً فقط، يكشف أنّ التفاهم التركي مع روسيا وإيران، أضاف للتوافق على مقايضة خطورة التعايش مع نشوء الشريط الكردي الحدودي مقابل خطورة التعايش مع إمارة جبهة النصرة، توافقاً على وجوب أن يتمّ كلّ شيء بسرعة، فلا يترك الأمر الواقع يتقادم في الاتجاهين، اللذين يشكلان جناحي الميمنة والميسرة لخطة المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون، في ما لا يعلم إلا الله ماذا يمكن ان يحدث إذا وصل المرشح دونالد ترامب إلى الرئاسة.- التسارع فرض على الأميركيين، تسارعاً في الذهاب للتفاهم، وحسم مصير تحوّله خياراً حتمياً، فقد تكسّرت قدما حصانهم الكردي من جهة، وبات واضحاً أنّ الروسي الذي يفضل السير قدما بالشراكة معهم، قد أعدّ العدة للسير بدونهم إذا تخلفوا عن القطار الذي احتلّ فيه التركي مقعدهم، وتتسارع على إيقاعات التفاوض الاستعدادات والترتيبات التي تنضج تفاصيله الإجرائية، بدءاً من الحسم السريع للكليات العسكرية في جنوب غرب حلب وإنهاء فرص الحديث الأميركي عن ثنائية حلبية بمعبرين، واحد بيد الجيش وآخر بيد المعارضة، وحصر البحث بمستقبل حلب تحت راية الجيش السوري، وفتح الباب لصيغة أحادية يخرج بموجبها المسلحون أو يقومون بتسوية أوضاعهم، ليظهر الحسم ما هو أهمّ لجهة الإضاءة على أنّ اليد العليا عسكرياً في المشهد السوري، حيث يتقابل الأقوياء وحيث المجهر الدولي والإقليمي يتابع التفاصيل الصغيرة، أيّ في حلب، هي للجيش السوري بلا نقاش أو التباس.- الترتيبات السياسية كانت دائماً هي الأعقد بنظر المراقبين لأنّ العقدة المتمثلة بكيفية تنظيم تراجع يحفظ ماء الوجه لتشكيلات المعارضة بقبول تسوية تحت المظلة الرئاسية للرئيس السوري، لم يكن سهلاً تخيّل كيفية تخطيها، وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يطرح دائماً هذه العقدة للمطالبة بجائزة ترضية تمنح لهذه المعارضة لتسهيل انخراطها في التسوية، وفجأة خلال أيام قليلة، وكما نجح كيري في جعل السعوديين وجماعتهم في اليمن تحت ضربات الحوثيين في نجران وجيزان وعسير، يرون تسوية تبدأ بحكومة وحدة وطنية أمراً ممكناً ومقبولاً، تنجح تطورات حلب، بمعونة تصريحات بن علي يلدريم رئيس الحكومة التركية، بجمع الهيئة العليا للتفاوض في جماعة الرياض التي تقود التشكيلات المعارضة، ومناقشة صيغة عبقرية لتسهيل الحلّ السياسي تقوم على ابتكار مرحلة جديدة، اسمها ما قبل المرحلة الانتقالية، طالما لا مكان لقبول دور للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، فالحلّ العبقري هو بقبول التشارك مع الرئيس السوري بمرحلة ما قبل الانتقالية، ومن ثم القفز على المرحلة الانتقالية وإلغائها للذهاب فوراً إلى الانتخابات.- أيام أوباما معدودة… وأيام الأسد طوال.
التاريخ - 2016-09-06 8:29 PM المشاهدات 820
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا