إذا كان ترامب تغلّب على الفتور الذي نشأ بين السعودية والولايات المتحدة في ولايتي أوباما خصوصاً بعد إصرار الرئيس السابق على التوصّل إلى الإتفاق النووي مع طهران، فإن الدخول في لعبة الأحلاف الإقليمية، يمكن أن يدفع الأمور في الشرق الأوسط إلى مزيد من التأجيج الطائفي واتساع الصراعات عوض العمل على حلها.لم يكن من قبيل الصدفة أن القمم الثلاث التي انعقدت في الرياض وضعت إيران و"حزب الله" على قدم المساواة مع "داعش" و"القاعدة"حاذرَ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما طوال ثمانية أعوام من وجوده في البيت الأبيض، الدخول صراحة في الصراعات الإقليمية في المنطقة. لكن ما لم يقدم عليه أوباما، فعله خلفه دونالد ترامب في أقل من خمسة أشهر. فالولايات المتحدة دخلت بعد زيارة ترامب إلى الرياض في شراكة استراتجية مع السعودية لا تقتصر فقط على عقود التسليح والاستثمار بما يفوق ال380 مليار دولار وربما أكثر، بل باتت شريكاً كاملاً في المحور المُعادي لإيران.ولم يكن من قبيل الصدفة أن القمم الثلاث التي انعقدت في الرياض(القمّة الأميركية-السعودية والقمّة الخليجية-الأميركية والقمّة العربية-الإسلامية-الأميركية) وضعت إيران و"حزب الله" على قدم المساواة مع "داعش" و"القاعدة". وإذا كانت الاتهامات الخليجية لطهران في "التدخّل بالشؤون الداخلية" لدول الجوار باتت أمراً مألوفاً في الأعوام الأخيرة ولا سيما مع اشتداد المواجهات الساخنة في سوريا واليمن، فإن ترامب كان واضحاً في الدعوة أمام ممثلي 55 دولة عربية وإسلامية "إلى العمل معاً لعزل إيران" بعدما اتهمها بزعزعة الاستقرار من لبنان الى العر اق واليمن. ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وضع عقود التسلّح الضخمة التي أوصت عليها السعودية الولايات المتحدة وبينها نظاما "باتريوت" و"ثاد" المضادّان للصواريخ، في إطار رغبة واشنطن في تمكين السعودية من الدفاع عن نفسها ضدّ "التهديدات الإيرانية". ولم يخفِ مسؤولون أميركيون آخرون أن الهدف من عقد التسليح الذي بلغ 110 مليارات دولار، هو تجهيز السعودية بعتاد يمكّنها من حسم الحرب في اليمن.وإعلان القمّة العربية-الإسلامية-الأميركية عن "تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي" يتجاوز مسألة إرهاب "داعش" و"القاعدة" لينشىء محوراً واسعاً ضد إيران بدعم من الولايات المتحدة. وقد يمتد هذا المحور ليشكّل أيضاً سداً ليس في مواجهة إيران فقط، وإنما في مواجهة روسيا التي تتعاون استراتيجياً مع طهران في ملفات المنطقة وخصوصاً في الأزمة السورية، أو على صعيد العلاقات التجارية بين الجانبين.ولعبت المتاعب الداخلية لترامب دوراً أساسياً في جعل الرئيس الأميركي يبحث عن دور في السياسة الخارجية يعوّضه تآكل رصيده في الداخل خصوصاً مع إقالته مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي "إف بي آي" جيمس كومي قبل عشرة أيام وما تلاها من تسريب لصحيفة "الواشنطن بوست" من أن ترامب أفشى أمام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي التقاه في البيت الأبيض، معلومات إستخباراتية عن "داعش" كان البيت الأبيض تلقاها من الإستخبارات الإسرائيلية. وتُوجت الأيام العشرة الأخيرة بتعيين مدعٍ خاص هو مدير "الإف بي آي" السابق روبرت مولر للتحقيق في قضية إتصالات حملة الإنتخابات الرئاسية لترامب بالمسؤولين الروس. هذه التطوّرات سمحت ببروز سيناريوات كثيرة تتعلّق بمصير رئاسة ترامب، خصوصاً أنه قد يواجه باتهامات خطيرة قد تقود إلى بدء إجراءات بعزله. وإذا ما ثبت أنه طلب من كومي في كانون الثاني الماضي أن يتخلّى عن التحقيق مع مستشار الأمن القومي السابق الجنرال مايكل فلين المُتهم بإجراء إتصالات مع مسؤولين روس، فإن الحصار يكون قد أطبق على الرئيس الجمهوري مع ما سيجرّه ذلك من تداعيات.وفي ظلّ هذه المتاعب في البيت الداخلي، من الطبيعي أن يفتش ترامب عن الحدث الخارجي، فكانت الصفقات الإقتصادية والتجارية والتسليحية مع السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي كدولة الإمارات العربية المتحدة. واختصر ترامب هذه الصفقات بكلمة "وظائف" التي ردّدها ثلاث مرات للتدليل على الفائدة التي حقّقها لسوق العمالة للأميركيين. وهو من الشعارات الرئيسية التي رفعها ترامب خلال حملته الرئاسية. وليس خافياً مسعى ترامب إلى تبريد أزماته الداخلية من خلال صفقات اقتصادية مع دول الخليج العربية ومن خلال تسخين المواجهة مع إيران.وإذا كان ترامب تغلّب على الفتور الذي نشأ بين السعودية والولايات المتحدة في ولايتي أوباما خصوصاً بعد إصرار الرئيس السابق على التوصّل إلى الإتفاق النووي مع طهران، فإن الدخول في لعبة الأحلاف الإقليمية، يمكن أن يدفع الأمور في الشرق الأوسط إلى مزيد من التأجيج الطائفي واتساع الصراعات عوض العمل على حلها. وتجد التنظيمات الإرهابية في مثل هذا المناخ بيئة مثالية للنمو وتحقيق أهدافها. وعندها لن تعود شعارات محاربة الإرهاب والتطرّف سوى حبر على ورق إذا ما كانت المنطقة برمّتها تنزلق نحو مواجهة أشمل. ولن يكون الإرهاب وتنظيماته وحدها التي ستزدهر في ظلّ تصاعد الصراع المذهبي، بل أن إسرائيل ستكون الرابح الأكبر من كل ما يجري حالياً في محيطها....بقلم سميح صعب
التاريخ - 2017-05-24 2:35 PM المشاهدات 589
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا