شبكة سورية الحدث


"ضوضاء الإعلام" سياسة إرضاع الكبير

"ضوضاء الإعلام" قمة جديدة لسياسة إرضاع الكبير التي اقترحها زبيغنيو بريزينسكي سورية الحدث : بقلم الدكتور دريد درغام كما كل شعب اكتشف أهمية الصمت قبل الكلام (كوسيلة مفيدة للارتقاء) وضع آل الأحمر في قاعة العرش في قصر الحمراء عبارة معبرة (تبرزها الصورة المرفقة) في فترة ذهبية من تاريخ اكتظ بالانتكاسات. والقوالة فن في هذا الشرق حيث يزيد الكلام مع كل انتكاسة بقصد التبرير أو الوعيد أو النواح أو التمجيد بالعهد البعيد. وكم صُقِل ذاك العهد وجملته ألسنة الرواة الذين حشروا أفكارهم وتصورات من خيالهم لا علاقة لها بحقيقة ماضٍ ضاع بين "سَلَطَةِ" التاريخ وتاريخ "السُّلْطة".... نفهم رغبة البعض كل أسبوع أو شهر لوضع عبارة أو مشاركتها بقصد "فش الخلق" أو الإعجاب بعبارة وضعت. ولكن ظاهرة الإغراق اليومي للصفحات بعبارات منقولة أو "مرتجلة" يؤكد لي أن ما خطط له قبل 20 سنة ينفذ بامتياز. ما الذي حدث قبل 20 سنة؟ اجتمع 500 من القيادات السياسية والعلمية بدعوة من مؤسسة "غورباتشيف" حيث أجمع الحضور على معاناة الحضارة الجديدة من حقيقة أنه إن اشتغل 20% من سكان العالم فقط فيمكنهم تحقيق ذات كمية الإنتاج. والسؤال كان ماذا نفعل بمن لا عمل له في شريحة الـ80% المتبقية؟ فقال زبيغنيو بريزينسكي (مستشار الرئيس كارتر ومؤسس إحدى "مفرخات" الأفكار) الحل هو: "إرضاع الكبير" titytainment وهي كلمة من مقطعين الأول يعني حلمة الثدي والأخرى تعني التسلية. وبرأيه بمزج مستوى غذائي معقول مع جرعات كبيرة من الترفيه ستنسى الشعوب الخائبة مشاكلها وتستكين. أترجمها "إرضاع الكبير" لأن المقصود برضاعة الأفكار والترفيه هو الكبير. فالكبار هم الأكثر خطرا على الـ1% من سكان العالم الذين يملكون ثروة تعادل 99% من ثروة العالم ويتخوفون من الـ99% الذين لا يملكون سوى 1% فقط (تباً لهم!). +++++ ولهذا السبب نجد أن صناعة الترفيه (إعلام، ألعاب، وغيرها..) المعلب والقادم إلى "المستهلك" في منزله تتزايد وتغزو معظم المنازل لمختلف طبقات وشرائج الشعوب (خاصة العالم النامي). ويلاحظ الأمر بشكل واضح أكثر بمقارنة انكماش نسبة الترفيه المدفوع (رياضة، سينما، ندوات..) مع الترفيه المجاني (تلفزيون ومشتقاته كالفيديو والدي في دي وغيرها) إضافة إلى مختلف أنواع الألعاب التي تطورت لدرجة أدمنها المستهلك ودخل في حلقة مفرغة من التحديات التافهة. ويلاحظ في جميع الأزمات الاقتصادية السابقة أن القطاع الأقل تضررا كان قطاع الإعلام فهو دواء الشعوب الخائبة في حالات الركود أو الانتعاش الاقتصادي على السواء. مع وصول شبكات التواصل الاجتماعي تحققت قفزة غير مسبوقة حيث حولت المواطن الخائب القابع خلف شاشته من مجرد "منفعل" إلى "فاعل" وجد شخصية وتميزاً اجتماعياً. فقد أصبح بإمكانه أن يجد (أو يتخيل على الأقل أن هناك) من سيقرأ له. فأعيد الاعتبار "افتراضيا" للشرائح الأكبر من المجتمع الخائب في كل دولة. رغم أن حلم الانسان أن يحقق حرية تدفق البشر والسلع والمال عبر الحدود كما كان منذ فجر التاريخ المكتوب، فقد تميزت العولمة الحديثة بأنها في الوقت الذي أبقت فيه على منافذ تدفق مقبولة أو سهلة للسلع والمال فقد أبدعت في وضع القيود على حركة البشر. لذلك بقدر ما أفادت الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الناس ووصلتهم عبر الحدود، إلا أنها أدت إلى مخاطر محققة وخاصة في الدول النائمة على حلمة إعلام الغرب. نذكر من تلك المخاطر ما يلي: • على صعيد الفرد تحول كل شخص إلى صحفي. وأصبح انتشار الأفكار المسيئة أو المدمرة أسهل بكثير من الماضي. • رغم الصمت المحيط بالشاشة عند تبادل التعليقات عبر الفيس أو التويتر أو غيرها إلا أنها مع الدفق الهائل للتعليقات والصور فقد خلقت "ضوضاء إعلامية" لم يكن الغرب يحلم بها يوماً. ففي الماضي كان إنتاج فيلم أو برنامج أو أغنية أو مقال أو فكرة يتطلب الكثير من النفقات والوقت. بفضل شبكات التواصل تحول الجميع في لاوعيهم إلى موظفين يعملون مجانا لإنتاج أفكار يعتقد كل منهم أنه مبتكر ومهم فلديه أصدقاء وهناك من يسمعه. وبقدر ما يحصل على "إعجابات" ومشاركات لجملة اخترعها للتو أو سمع بها أو قرأها ووضع عليها لمسته (مع إضافة توقيعه الخاص أو تغيير صورته) يجد أنه من واجبه ألا يبخل على الآخرين بأي جملة تخطر بباله في أي وقت من اليوم. ومع ظهور "السلفي Selfie" تحول الجميع إلى نجم يمكنه أخذ صور شخصية بكاميرته الخاصة و"طز" بالصحفيين الذين لا يعيرون أفكاره "المهمة" اهتماماً. وبناء عليه "ستنسى الشعوب الخائبة مشاكلها وتستكين". • في ظل الضوضاء المذكورة يتحول الجميع إلى ما يشبه خطوط إنتاج البيض حيث تبقى كل دجاجة في مكانها طوال عمرها حيث يأتيها الأكل والشراب من أمامها بشكل دائم ويسحب "سير" متحرك آخر الروث من خلفها. وتستمر ضوضاء التدفقات إلى أن تحين ساعة طحن الدجاجات وتحولها إلى طعام لقريناتها أو لكائنات خائبة أخرى. • في ظل الضوضاء المذكورة لا يمكن للمعنيين بها التفكير. وإن فكر البعض واعتقد أن لديه ما يناقشه، تصدمه الجموع الغفورة بأنها مشغولة. فوقتها لا يسمح بقراءة أي مقال يتجاوز عدة أسطر فقط فهناك من ينتظر لايكات أو يوزع لايكات في كل لحظة. بذلك يكون مفهوم "إرضاع الكبير" هو الانشغال في حركات مكررة قد تفيد ظاهريا ولكنها في العمق لا تفيد سوى بتمرير الوقت. وهو أمر يجب ألا ينسينا أن تلك الطريقة قد لجأت إليها باحتراف المؤسسات الدينية عبر التاريخ وبعض السجون (لبعض فئات المحكومين) إضافة إلى بعض المؤسسات العسكرية وبعض أنماط التربية المحافظة التي تطالب كل منتسب إليها بتشتيت فكره عبر تكرار عبارات محددة أو عبر الرياضة أو غيرها من طرق الإلهاء المشروع أو "الشرعي". هل من حل؟ أعتقد أنه سيكون من المفيد أن يعود المرء إلى قراءات مطولة (كتب وروايات، دراسات، مقالات..) ففيها عودة "للتعود" على الاختلاء بالذات بعيدا عن ضوضاء "إرضاع الكبير" التي فرضها المؤتمر المذكور. والاختلاء بالذات قد يدفع بالبعض إلى مواجهة الحقيقة والاعتراف بمرارتها هو بداية الحل. من خلال هذا المقال والمقالات السابقة في هذه الصفحة أدعو للتحريض على إعمال الفكر بما يضمن رؤى وأساليب مختلفة في التفكير..
التاريخ - 2014-11-03 2:39 PM المشاهدات 995

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا