لعلّنا لن نكون متورّطين في سرد تعبوي مجرّد عن الواقع، لو زعمنا أن معرض دمشق الدولي في دورته الراهنة، هو البوابة الذهبيّة لخروج سورية من أزمتها، منتصرةً تنفض غبار الحرب والإرهاب، لتمضي نحو أفق جديد اقتصادي اللون، سياسي المضمون، بأبعاد شعبيّة إنسانيّة حضاريّة، تلتقي عند غاية إعادة إنتاج سورية الجديدة والمتجدّدة…هذه هي الحقيقة مهما تباينت واختلفت زوايا الرؤية، ومحاولات التقاط حدث يلخّص الآن خلاصات المشهد السوري، بعد سنوات كانت “السبع العجاف ” إلّا قليلاً.في زحام الرسائل الكثيرة التي ينتجها المكان الذي يحتضن “كرنفال الانتصار” اليوم، ثمة مقاربة جدُّ حسّاسة، ربما لا تقبل التجاهل والإهمال، تتعلق برجل الأعمال السوري، كموقف، ومن ثم كمفهوم أعادت الأزمة بكل سنواتها – ومعرض دمشق كشارة خلاص – ترتيب مفرداته الوطنيّة، وصياغة ملامح انتمائه التي كانت معيار فرز وطني، لم يعد من المقبول تجاهلة مهما ألحّت إملاءات التسامح وترميم الرضوض التي أحدثتها التجربة المريرة.اليوم تبدو الصورة مقرّبة جداً، لتتّضح التباينات الصارخة بين صنفين من رجال الأعمال السوريين، الأول قوامه ثُلّة هاربين بالتزامن مع الرصاصة الأولى التي أُطلقت باتجاه سورية، والثاني قرر البقاء وخوض “حرب البقاء” مع بلده وشعبه.ففي الصنف الأول، اكتفى بعضهم بالهروب والانكفاء، وبعضهم حوّل أمواله إلى مصنع لضخ السمّ وإنتاج الإرهاب المخصص لـ”الاستهلاك” في سورية.وفي الصنف الثاني الوطني، صمد من صمد في سبيل الانتصار، لكن الصورة الأنصع كانت لدى من وطّن أسرته ومعها استثمارات عملاقة في الخارج منذ عقود، لكنه عاد لينتصر لوطنيته، ناسفاً النظرية الاقتصاديّة التقليديّة، التي تبرر “جبن رأس المال” من جذورها، ولعلّه من الواجب هنا الإشارة إلى رئيس اتحاد المصدرين رجل الأعمال محمد السوّاح، وهو مثال غير مقصود لذاته، لكن الرجل عاد من الخارج “بأمواله وعياله”، وكان مع فريق متكامل من رجال الأعمال الوطنيين، كانوا بالفعل شركاء حقيقيين للحكومة في الصمود الاقتصادي على مرّ سنوات الأزمة، وفي تتويج الصمود بمعرض “إعلان الانتصار”، ومن العرفان الوقوف قليلاً عند بصمات أياديهم البيضاء، في إنجاح ما بات يستحقّ تسمية “معرض سورية”..الآن نصل إلى نقطة الحسم التي قد نبحث عنها مطولاً في القادمات من الأيام، والمتعلّقة بمتموّلين “سوريين” يتلطّون وراء الحدود، ويمارسون طقوس التوبة والندم .. أعلنوا العزم على العودة بالتزامن مع حدث المعرض، فمن شأن جذوة الفرح ضمان الصفح وقبول التوبة، إلّا أن البعد العاطفي يبدو قليل الحظوظ هنا في مثل هذه المقامات، لأن الموقف أعقد من مجرّد صفقة، أو توجه ذكي نحو مضمار استثماري يبدو حافلاً بالدسم.الواقع أننا وصلنا إلى حال بات فيها القرار ملحاً بقدر ما هو صعب بشأن هؤلاء، ونقصد عاقدي الهمّة على العودة من رجال الأعمال وأصحاب الرساميل، الذين تركوا بلادهم – مصدر ثرواتهم – تواجه مصيراً بدا لهم محتوماً على خسارة وانهيار..؟!!.أعداد “التائبين” ستزداد بالتأكيد، ولا بد من معيار واضح لاتخاذ القرار المناسب، رغم أنه قرار سيادي له ما له من حساسيّة، لكن إن كان من نيّة لدراسة وضع هؤلاء كل على حدة – وهذا رأي شخصي – فمن الحكمة بلورة هيئة أو مجلس “حكماء اقتصاديين”، يضم رجال أعمال وطنيين وشخصيات حكوميّة رفيعة وأخرى برلمانيّة، مهمته التمحيص في “السيرة الذاتية” لكل راغب بالعودة، لفرز من “لم تتلطخ أموالهم” بدماء أبناء بلدهم، عن سواهم ممّن نفخ في اللهب.أما بشأن الفرص الاستثمارية، فلن يكون من الحكمة البقاء دون ميْزات تفضيلية بين رجال الأعمال، والمعيار هنا وطني بامتياز، لأن العائد ليس كمن بقي، والصامد ليس كالهارب، حتى في أعراف “البزنس”.ناظم عيد
التاريخ - 2017-08-23 11:08 PM المشاهدات 913
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا