سورية الحدث..بقلم زيــاد غصــن عندما تم تكليفي بإدارة مؤسسة الوحدة للصحافة قبل نحو عشرة أشهر، سألني أحدهم مازحاً إن كنت أعرف أين سأكون بعد عدة سنوات.ومع أن إجابتي له كانت نابعة من تفاؤلي المعتاد، إلا أن سؤاله نكأ جراحاً كثيرة في مسيرة الإدارة العامة في سورية.أعمق تلك الجراح أن العديد من الإدارات العامة، وجدت نفسها في نهاية المطاف إما رهينة قرارات حجز احتياطي وتحقيق رقابي، أو عرضة لإعفاء مبني على وشايات الفاسدين، أو أنها عوقبت بالتهميش والمضايقات.وفي حالات قليلة، انتقلت بعض هذه الإدارات إلى مهمة إدارية أخرى.حديثي هنا هو عن الإدارات المعروفة بكفاءتها، خبرتها، ونزاهتها. أما الإدارات الفاسدة فهي تعرف كيف تحمي نفسها، وفي أسوأ الاحتمالات يكون مصيرها الإعفاء من مهامها بعد طول «بقاء» في المنصب... طبعاً ودون إخضاعها لأية مساءلة أو محاسبة.صحيح أن القضاء انتصر في النهاية لمعظم الإدارات، وبرأ ساحتها من التهم الموجهة لها ظلماً وخطأً، لكن بقاء مثل هذا الوضع على ما هو عليه، يعني الحكم مسبقاً بالفشل على جميع مشاريع واستراتيجيات إصلاح مؤسسات القطاع العام..إن أكثر ما تحتاجه مؤسسات الدولة حتى تسير في طريق الإصلاح، الثقة بمن يجري اختياره ليكون وزيراً أو مديراً عاماً، ومن ثم منحه الصلاحيات الكافية ليعمل بعيداً عن الشكوك والأحكام المسبقة، التي عادة ما يكون مصدرها الجهات الرقابية وبعض الأجهزة الأخرى في الدولة.فإما أن الدولة تثق بمن تكلفه بمهمة ما... أو أنها لا تثق.في الخيار الأول، مطلوب من الدولة أن توفر ظروفاً مريحة لعمل الإدارات، فلا تضع مستقبله بيد مفتش، ولا تربط خططه ومشاريعه بإجراءات ومراسلات روتينية قاتلة، ولا تقيده بأنظمة وتشريعات جعلت منها الحرب أكثر تخلفاً وسوءاً..يعني بصريح العبارة.. إطلاق يد الإدارات الموثوق بها.المشكلة الحقيقية تكمن في الخيار الثاني.. فهناك بموجب هذا الخيار إدارات لا تثق بها الدولة، وبالتالي فإن عملها، أيا كانت نتائجه وحسناته، سيكون أيضاً موضع شك وشبهة..ربما السؤال الأفضل الذي يمكن طرحه هنا هو... لمن تمنح الدولة ثقتها؟ وما هي الأسس والقواعد التي تبني عليها الدولة قرارها هذا؟.للأسف هذا الأمر مرتبط بصاحب القرار هنا أو هناك، وبقدر ما يحرص البعض على منح تلك الثقة لمن يستحقها فعلاً لأسباب سلوكية ومؤسساتية، هناك من يمنح ثقته بناء على مصالح وحسابات شخصية..لذلك نرى هذا الخليط من الإدارات العامة... النزيهة والفاسدة، الخبيرة والجاهلة، الناجحة والفاشلة... في وقت كلنا يعلم إلى ماذا تحتاج سورية!.
التاريخ - 2019-01-15 3:34 PM المشاهدات 574
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا