سورية الحدث _ عامر إلياس شهدامشروع قانون الإفصاح عن الذمة المالية من أجل محاربة الفساد ليس بجديد، الموضوع طرح منذ عام 2005 إلا أن البعض لم يعجبه ذلك فأهملت متابعته، حتى لزم الأمر أن يصبح قانوناً، وهذا القانون لا يمكن تجاهل أهميته في محاربة الفساد، رغم أنه أحادي النظر بالنسبة للفساد نتيجة عدم وجود تعريف واضح للفساد حيث اقتصر الفساد على موضوع الرشوة المادية فقط، وقد أتى مشروع الإفصاح عن الذمة المالية بهذا الإطار ما حجّم من كارثة الفساد، فالفساد لا يختصر بالرشوة المالية وإنما كل من يتخذ قراراً يضر بالمصلحة العامة للشعب يعتبر فاسداً، وكل من يتغاضى عن الخطأ يعتبر فاسداً، وكل من يصمت عن جريمة فساد فهو فاسد، وكل من يحمي أو يتستر عن فاسد فهو فاسد، لذلك أعتقد أن قانون الذمة المالية يجب أن يكون شمولياً يتناول كل قضايا الفساد ولا يكون قبوله ملزماً ويختص بالنواحي المالية فقط.في الحوار الذي أطلقته وزارة التنمية الإدارية حضره عدد من المسؤولين، وبعد عرض مشروع القانون الذي هو قيد الدراسة لفت نظر الحضور إلى أن أحد المسؤولين الكبار تناول مشروع القانون بشرح المخالفات الدستورية لهذا القانون، وما لفت نظرنا كحضور أنه أفرغ جعبته وغادر فلم يكمل ما جرى من طروحات وحوار حول القانون، حيث تمت المطالبة بمناقشة روح القانون ومدى قبوله اجتماعياً أولاً وبعد ذلك تتم مناقشة النواحي الدستورية والقانونية من لجنة متخصصة، ولكن طالما تتم طرح المخالفات الدستورية من مسؤول يشغل منصباً قضائياً فهذا يفرض علينا أن نطالبه بوضع نصوص تتناغم مع الدستور ليتمكن مجلس الشعب من إقرار القانون من دون وجود أي ثغرة قانونية أو دستورية يستغلها الفاسدون إن كان على المستوى القضائي أم على المستوى الإداري، مع الإشارة إلى أن مجموعة من الحضور أقرت أن الفساد يستشري في الجسم القضائي بشكل كبير، فبداية الحرب على الفساد يجب أن تكون في القضاء أولاً، فاستثناء القضاء من المحاسبة على الفساد لن يمكننا من محاربته وبالتالي أي قانون هادف لمحاربة الفساد سيصدر لن يكون ذات جدوى طالما أن الفساد يستشري بالقضاء.أعتقد أن أي قانون لمكافحة الفساد يسبقه خلق بنى تحتية مساعدة على ضبط حالات الفساد، على أن تكون هذه البنى محققة لثلاثة شروط وهي الرقابة المحكمة والأثر الاجتماعي والانعكاس على الوضع الاقتصادي، فمن أولويات هذه البنى نظافة القضاء والعمل على إعادة هيكلة القوانين وإنهاء موضوع تعددها، فتعدد القوانين يجعل الباب مفتوحاً أمام الكيفية والانتقائية بالحكم فيتم وضع إذن الجرد في أي مكان اختياري لبند في قانون قد يتعارض مع بند في قانون آخر، ولكن كلاهما معتمد قضائياً ما يعمق وينتج ممارسة الفاسد.يتبع نظافة القضاء خلق قانون حوكمة سليم وخلق نظام لتغيير الكادر البشري الذي يساعد على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن الانتماءات الحزبية والمحسوبيات وتدخل بعض السلطات في التعيينات، فهدر إمكانات الكادر البشري وقتل فرصته في خدمة بلده يعتبران من أفظع الجرائم بحق مؤسسات الدولة، يلي ذلك وضع توصيف وظيفي واضح للمهام الوظيفية بدءاً من قاعدة الهرم وحتى قمته في كل مؤسسة أو وزارة، وهذا التوصيف يخضع لأحكام قانونية ويرفق بمخطط لكل عملية موضحاً مراحلها من أين نبدأ وأين تنتهي والمدة اللازمة لها وما يترتب عليها من تكلفة مادية؟ يتبع ذلك تفعيل نظام الحكومة الإلكترونية ونظام وبرامج الأعمال للحد من تماس المواطن مع الموظف للخروج من حالة التخلف في مراجعة المؤسسات وتداخل المهام والسلطات التي تساعد على تفشي الفساد.إضافة إلى كل ذلك يعتبر نظام الدفع الإلكتروني أحد أهم الأمور التي تحارب الفساد وتخلق البيئة المناسبة لرقابة حركة الأموال بشكل محكم، فهذا النظام يحقق أكثر من هدف على المستوى الاجتماعي والنقدي والمالي والاقتصادي، فعمله لا يختصر في رقابة حركة السيولة وإنما يعمل على ضبط الكتلة النقدية ويكشف مصير الكتلة النقدية الضخمة ما يحد من استخدام النقد في عمليات مشبوهة، وكل هذا ينعكس على قوة الليرة السورية وعلى التكاليف في العمليات الإنتاجية.ختاماً أي قانون لمحاربة الفساد لا يمكن أن توكل صياغته إلى وزارة بعينها، فالأمر يتطلب تضافر جهود الجميع للخروج بقانون شامل لمحاربة الفساد، والأمر يتطلب أيضاً بذل جهود اجتماعية كبيرة تحمل المجتمع مسؤولية رفض أي دعوة لممارسة الفساد، وهذا الرفض يكمن في مدى احترام المجتمع للأنظمة والقوانين.
التاريخ - 2019-11-14 6:55 AM المشاهدات 1863
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا