أصبح التبريد جزءًا أساسيًا من حياتنا إلى درجة أننا نادرًا ما نفكر به، فأطعمتنا طازجة وحرارة غرفنا مضبوطة بفضل تقنية انضغاط البخار التي طورها العلماء منذ قرن مضى. ولهذه التقنية حاليًا دور أساسي في نظم الرعاية الطبية والنقل والدفاع وغيرها.
ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، يستهلك التبريد ربع إجمالي كهرباء الولايات المتحدة الأمريكية. ويقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن عدد أجهزة التبريد قيد التشغيل سيتجاوز الضعف بحلول العام 2050.
وتضبط أنظمة انضغاط البخار الحرارة عبر دورة مغلقة، فتضغط سائل التبريد وتكثفه وتمدده وتبخره. واعتمادًا على وضعية التشغيل والإعدادات، تبرد تلك الأنظمة الأبنية أو تدفئها لتحافظ على بيئة مريحة للبشر فيها. وعلى الرغم من تطور تقنيات انضغاط البخار وانخفاض التكاليف اللازمة لتصنيعها، فإنها تكاد تبلغ أقصى حدودها النظرية من ناحية كفاءة استهلاك الطاقة، ويستدعي ذلك البحث عن أنظمة جديدة تحسن كفاءة التبريد.
ولهذه الأسباب، تريد مجموعة من العلماء والمهندسين من مختبر أميس التابع لوزارة الطاقة الأمريكية إدخال تحسينات جذرية إلى تقنيات التبريد، لتصبح أرخص وأنظف بيئيًا وأكفأ في استهلاك الطاقة، ويسعون لتحقيق ذلك بالاتجاه نحو تقنية جديدة تمامًا: نظام حراري صلب الحالة. يعتمد هذا النظام على ظاهرة حرارية قابلة للعكس، قادرة على التبريد أو التسخين اعتمادًا على الفروقات في المجالات المغناطيسية أو الكهربائية أو الإجهادية. لكنها ليس أول مرة يفكر فيها العلماء باستبدال الأنظمة الحرارية بأنظمة التبريد التقليدية، فعلى مدى الأعوام العشرين الماضية، بحث علماء المواد عن مركّبات قادرة على توليد تأثيرات تبريد قوية عند استخدامها دوريًا. وقد يبتكر الباحثون أنظمة أكثر كفاءة بالجمع بين مختلف أشكال الظواهر الحرارية، وهو أمر لم يكن ممكنًا بتقنيات انضغاط البخار.
وصرح مدير المشروع فيتالي بشارسكي، العالم في مختبر أميس وبروفسور في علم المواد وهندستها بجامعة ولاية آيوا «ما نفعله اشبه باستبدال المصابيح الضوئية المتوهجة بمصابيح الدايود الباعث للضوء إل إي دي.» فقد يكون لهذه التقنية الجديدة الأثر ذاته، باستثناء أنها قادرة على تحقيق ذلك بطريقة أكفأ وأكثر استدامة. حقًا فات الأوان على إدخال التغييرات ذاتها إلى صناعات التبريد والتدفئة.» وعلى الرغم من تطوير مواد واعدة وأنظمة جديدة واعتمادها في تصاميم فريدة لأجهزة جديدة في الأعوام الماضية، ما زال حاجز التكاليف الباهظة حاضرًا بقوة وطاغيًا على كل من شركات التصنيع والمستهلكين.
بدأ مختبر أميس أبحاث المواد الحرارية منذ فترة طويلة يعود تاريخها إلى عام 1997 باكتشافه الرائد للتأثير الحراري المغناطيسي، وحصل كذلك على خمس براءات اختراع في أبحاثه الحالية عن المواد التي اكتشفها. ويوجه أنظاره حاليًا صوب علم المواد وأنظمتها.
ويهدف المختبر من بحثه إلى خفض تكاليف الأنظمة الحرارية عبر زيادة كثافة طاقة الأنظمة الحرارية المغناطيسية أو الحرارية المرنة. ففي الأولى، يكمن السر في القدرة على إنتاج تأثيرات حرارية إضافية ضمن مجال مغناطيسي أكبر، أما في الثانية، سيؤدي تقليص المجال المرن إلى تقليص في حجم المشغلات الميكانيكية وتكاليفها، فضلًا عن إطالة عمر المادة المستخدمة. وأشار فيتالي إلى أن التحكم بخسائر طاقة النظام من خلال الهندسة الذكية سيشكل أمرًا بالغ الأهمية مستقبلًا.
وأضاف فيتالي «نعلم أن تطوير هذه التقنيات ممكن عمليًا، إذ أثبت العلماء ذلك مرات عديدة، غير أن العقبة الحقيقية التي تحول دون طرحها في الأسواق هي التكلفة، وهذا ما نعمل عليه في جهودنا الحالية.»
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا