يتسلّم الوزير طلال البرازي حقيبة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من سلفه عاطف النداف، وسط حالة من الترقب لما يستطيع فعله لجهة إعادة هندسة المشهد العام للتجارة الداخلية، سواء من حيث ضبط الأسعار، أو من حيث الاستمرار بتأمين المواد الأساسية، خاصة المدعومة، والتي بدأت قائمتها تتقلص مؤخراً بعد إلغاء مادتي الزيت والشاي من قائمة المواد المدعومة!
الوزير السابع
إرث ثقيل ينتظر البرازي في هذه الوزارة التي تعاقب عليها ستة وزراء قبله، منذ إحداثها عام 2012، ليكون هو الوزير السابع الذي يعوّل عليه بأن يُحدث فارقاً ملموساً على الساحة التموينية، فعلى الرغم من حالة الإحباط السائدة لدى الشارع العام نتيجة العبء المعيشي غير المسبوق، والناجم عن ارتفاع الأسعار بالدرجة الأولى، وعجز الحكومة عن الإيتاء بأية مبادرة تخفّف من هذا العبء، إلا أن هناك من عبّر عن تفاؤله بالوزير الجديد، على الأقل من منطلق “التغيير لا بد منه”.
نبرة تفاؤلية
وإذا ما حاولنا التحدث بنبرة متفائلة، وغضضنا النظر عما يكتنف الأسواق من تجاوزات لم تعد تُحتمل، نقول: يمكن للوزير الجديد أن يبدأ بتصويب مسار السوق المحلية انطلاقاً من “السورية للتجارة”، والتي أريد لها لحظة إحداثها أن تكون التاجر الأكبر في سورية، فهذه المؤسسة لم يُحسن الوزيران السابقان استثمارها على أكمل وجه، فهي حتى هذه اللحظة لم تمارس دورها التجاري كما يجب، ولم تمارس الاستيراد المباشر، ولم تدخل السوق بقوة تعكس قوتها الحقيقية، لا من ناحية إغراق الأسواق بالمواد الأساسية وبالتالي كسر حدة أسعارها في الأسواق، ولا من ناحية انتشارها الأفقي في كل الأحياء والمناطق والقرى، خاصة النائية منها والفقيرة، وبالتالي لم تأخذ دورها كأكبر تاجر في سورية، ونعتقد أن الاشتغال على تعزيز مكانتها ليس بالأمر المستحيل خاصة بالنسبة للوزير البرازي ذي الخلفية التجارية.
لم تفلح
إن الوزارة منذ إحداثها لم تفلح في تقديم ذاتها كحامية فعلية للمستهلك والأب الراعي لشؤونه الاستهلاكية اليومية ومراقبة الأسعار ومدى مطابقتها للمقاييس والمواصفات.. إلخ، وبالتالي فإن التركة ثقيلة على الوزير الجديد، ولاسيما أنه لم يعد يخفى على أحد أن الأزمة الحالية أظهرت فشل تعاطي الوزارة مع الأسواق المحلية نتيجة ترك نظام التسعير لمزاجية التّجار تحت ذريعة تحرير التجارة واعتماد اقتصاد السوق، وكانت النتيجة ابتعاد السعر عن الواقع والانفلات عن السوق ليتحرك في فضاءات بعيدة عن واقع الاقتصاد السوري، في ظل احتكارات باتت ملموسة للقاصي والداني رغم وجود ما يُسمّى “هيئة المنافسة ومنع الاحتكار”. ونعتقد أن المهمة التي تقع على عاتق الوزير الجديد هي إعادة النظر بآليات تعاطي الوزارة مع السوق ومتطلباتها الأساسية، فنحن بالنهاية نعيش مرحلة استثنائية بحاجة إلى قرارات استثنائية، ما يعني بالنتيجة ضرورة برمجة سياسة الوزارة وكادرها باتجاه العودة لنظام التسعير المركزي الذي كان سائداً قبل سنوات، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بتحديد سعر حقيقي يضمن حقوق التاجر والمستهلك بآن واحد، ويمنع بالنتيجة شبح الاحتكار ويوفر السلع والمواد في الأسواق بشكل مستمر بدلاً من بقائها في مخازن أباطرة السوق وحيتانها.
وزارة المرحلة
إن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك هي وزارة المرحلة بامتياز، نظراً لعلاقتها المباشرة واليومية مع احتياجات المواطن وخدماته، وتحديداً لجهة انسياب السلع في الأسواق وضبط أسعارها، أي أنها معنية بقوت الحياة المعيشية، ولكن ورغم هذه المكانة التي تصدّرتها الوزارة خلال سنوات الأزمة إلا أنها لم تفلح بما أوكل إليها من مهام لاعتبارات قد تكون إما موضوعية لها علاقة بتداعيات الأزمة وما تمخّض عنها من تحديات باتت أشبه بمعضلات استعصى حلّها، مثل تمرد الأسعار والممارسات الاحتكارية لبعض التّجار وغيرها، أو ذاتية تتعلق بالدرجة الأولى بكادر الوزارة الذي لم يفلح في اجتراح حلول لانتشال المستهلك من مستنقع ضحالة العيش، فهل يستطيع طلال البرازي استثمار علاقاته مع زملائه بقطاع الأعمال، ويعيد صياغة المشهد التجاري، بحيث يعاد النظر بالسلوك التجاري ككل، ويكون هناك تعاون من نوع خاص بين التّجار والوزارة يفضي إلى تأمين المواد والسلع الأساسية بأسعار مناسبة، ويقضي على الممارسات الاحتكارية، ويضع الأسواق بالمحصلة على السكة الصحيحة؟
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا