مهمات رئيسية لوزارة التنمية الادارية المحدثة في سورية الجديدة
1-3
إعادة الهيكلة الادارية ودورها في تحسين اداء المؤسسات والجهات العامة
عبد الرحمن تيشوري / عضو مجلس الخبراء في وزارة التنمية الادارية
شهادة عليا بالادارة
المقدمة :
من المهم بداية التأكيد على أن عملية إعادة الهيكلة الإدارية في مفهومها وأبعادها – كما سيتم إيضاحه لاحقاً
–ليست هدفاً في حد ذاتها ولكنها وسيلة رئيسية تسهم في وترمي إلى تحقيق الأهداف التالية :
- رفع كفاءة الأداء وإزالة القيود التي تحد من الإنتاجية وتعيق حركة التفاعل الطبيعي بين المتغيرات المرتبطة بالإدارة ، وذلك من خلال إحداث تغييرات جذرية فاعلة في الأوضاع والأساليب والمفاهيم الإدارية السائدة ، وفي كل ما يرتبط بها ويتفاعل معها من عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية .
- حسن إدارة وترشيد استخدام الموارد الوطنية المتاحة والمحتملة ، وتعظيم معدلات الكفاءة والفعالية والإنتاجية في الأجهزة الإدارية .
- تكريس مفاهيم اللامركزية وتدعيم التنظيم القطاعي والتخطيط الإقليمي بما يحقق تحويل الدولة إلى مجموعة من الكيانات الاقتصادية والوحدات الإدارية المنتجة .
ومن الثابت أن معظم الدول المعاصرة على اختلاف درجات تقدمها تعمل بنشاط في ميدان إعادة الهيكلة الإدارية ، لا فرق في ذلك بين الدول النامية والمتقدمة ، ذلك أن إدارة الجهاز الحكومي لم تعد من الأمور الارتجالية التي تعتمد على الاجتهادات الشخصية والمهارات الفردية ، بل أصبحت تستند إلى أسس إدارية ومبادئ علمية ثابتة ومعترف بها ، وقد ظهرت كتابات عديدة في هذا الحقل ، بعضها أخذ الطابع القانوني ، والبعض أخذ الطابع السياسي ، والبعض الآخر - وهو الأحدث – أخذ الطابع الإداري والسلوكي . ولكنها اتفقت جميعاً على ضرورة تطوير الإدارة الحكومية بما يتلاءم وطبيعة أهداف وتطلعات المجتمعات الحديثة وبالتالي رفع مستوى أداء الخدمة العامة ، والقضاء على مظاهر الروتين والضعف والبطء في الأداء ، وسوء إدارة الموارد العامة للدولة .
وهنا سيتم عرض وتحليل مسار إعادة الهيكلة الإدارية من حيث المفهوم والأبعاد والمنهجية باستخدام الأسلوب العلمي في الجانبين النظري والتطبيقي ، حتى يمكن الوقوف على حقيقة مجريات العمل الحكومي والتزود ببعض نتائج الدراسات والتجارب العلمية والميدانية التي تمت في هذا الحقل .
أولاً – الإطار النظري :
- مفهوم وأبعاد إعادة الهيكلة الإدارية .
يحفل الفكر الإداري المعاصر بحجم متزايد من الأبحاث والدراسات التي تنادي جميعاً بإعادة الهيكلة للأجهزة الحكومية وتحرير الإدارة الحكومية من الضغوط والقيود التي تحد من حركتها وفعاليتها . ويستند البناء العلمي النظري لإعادة الهيكلة إلى فرضية أساسية مفادها أن الإدارة هي في المقام الأول أداة للتغيير تهدف إلى تحقيق التحول أو الانتقال من وضع سائد(ضعيف) إلى وضع جديد (فاعل) ، وذلك من خلال ربط أجزاء النظام الإداري (المدخلات والنشاطات والمخرجات) وجعلها ذات قدرة فائقة على التأثير في الوضع المحيط بها من خلال نوعيات الموارد (المدخلات) التي تعمل على استقطابها من البيئة المحيطة ، وكذلك من خلال المخرجات التي تطرحها للبيئة .
إن الأساس "الأهم" في إعادة هيكلة القطاع العام هو العمل على استقرار أوضاع ومتطلبات البيئة الإدارية من ناحية ، واستكشاف إمكاناتها وطاقاتها الذاتية من ناحية أخرى ، ويتوقف النجاح حينئذ ليس فقط على درجة تحقيقها للأهداف وإنما أيضاً وبالدرجة الأولى على حسن اختيار الأهداف ذاتها ، وعليه فإن تحديد الأهداف لإعادة الهيكلة يتطلب المواءمة والتوفيق بين ما تحتاج إليه البيئة الإدارية أو ما قد تتمكن من استيعابه ، وبين ما هو متاح لها من قدرات وما يحتمل أن يتوفر لها من إمكانيات .
والأكثر بُعداً لمفهوم إعادة الهيكلة هي أنها لا تسعى بتحقيق الأهداف المحددة لها إلى مجرد الاستجابة الآلية لاحتياجات المجتمع ، بل هي أيضاً تحاول التأثير في هذا المجتمع وتغييره من خلال الأهداف التي تحققها .
وبصورة إجمالية ، فإن مفهوم إعادة الهيكلة يتبلور من خلال عدة أبعاد ، أبرزها ما يلي :
- إحداث التغييرات الهيكلية للتخلص من القيود الإدارية التي تعيق انطلاق قوى الإنتاج الوطنية ، وتبني الأساليب المتطورة التي تكفل ترشيد اتخاذ القرارات ، وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة أخذاً في الاعتبار النفقة والعائد .
- إعادة النظر في مفهوم الوظيفة العامة وتغليب منطق الخدمة والعائد فيها على منطق السلطة والسيادة .
- تعميق سياسة اللامركزية عن طريق تفويض الصلاحيات الكافية لكل مستوى إداري بما يتناسب وطبيعة الأنشطة التي يمارسها وحجم المسئوليات الملقاة عليه ، وكذلك إعادة توزيع السلطات بين الأجهزة المركزية من ناحية ، ووحدات الإدارة المحلية من ناحية أخرى ، وبحيث تتركز سلطة اتخاذ القرارات عند المستوى التنظيمي المناسب وليس بالضرورة عن القمة ، ومن المهم كذلك تكريس مبدأ المحاسبة على أساس النتائج المحققة .
- ابتكار النمط التنظيمي الذي يحقق مشاركة الجماهير المنتفعة بالخدمات بطريقة فاعلة ومستمرة ، وبمعنى أخر التحرر من القوالب الجامدة للأشكال والهياكل التنظيمية ، وقبول صور من التنظيم تختلف باختلاف طبيعة النشاط ومجال العمل ، ذلك أن محاولات التوحيد والتنميط أدت دائماً إلى قتل الحافز على الابتكار والتجديد ، وأخضعت الإدارة في قطاعات الإنتاج والخدمات لقيود وقواعد بيروقراطية حطمت الكفاءة وعطلت التفكير .
- التوجه نحو المسار الاستقلالي لأجهزة الخدمات بحيث تُدار وفقاً للأساليب الاقتصادية ، وتعتمد وفق قواعد محددة وواضحة على قدراتها الذاتية ومواردها الخاصة في تمويل نشاطاتها ، بعيداً عن الإتكالية المطلقة على سلطة ورعاية الدولة ، وهنا لا يكون بقاؤها وعطاؤها متوقفاً على دعم ومعونة الدولة لها ولكن على كفاءة أساليب عملها ، وسهولة إجراءاتها ، وسلامة قراراتها ، وقدرتها على المخاطرة واستثمار الفرص وإدارة مواردها . ويمكن هنا أن تنخفض معونة الدولة لها تدريجياً إلى الحد الأدنى وبما تفرضه طبيعة النشاط في كل حالة .
- تكريس الموضوعية في التخطيط والمتابعة والتقييم ، والالتزام بأسس ومعايير محددة للحكم على الأداء وتحديد النجاح والفشل ، وتدعيم مبدأ المساءلة والمحاسبة ثواباً وعقاباً لموظف القطاع العام على كل المستويات .
ومجمل القول ، فإن عملية إعادة الهيكلة لأجهزة الدولة لا تعني فقط تطوير الهياكل التنظيمية للأجهزة ، وإلغاء أو دمج وحدات واستحداث أخرى ، بل إن العملية تمتد إلى عمق الكيان الإداري بحيث تشمل ما يلي
- تحديد الأهداف العامة والنتائج الدقيقة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها على المدى البعيد مع رسم أو إقامة البناء التنظيمي المتناسب وتلك الأهداف والتوجهات المنشودة ، ومن ثم تكون الأجهزة والمؤسسات العاملة في خدمة هذه الأهداف الوطنية المحددة وليس العكس .
- استحداث وتنمية السياسات والاستراتيجيات التي ترشد اتخاذ القرارات في مختلف شئون الإدارة الوطنية وتوجيه الأداء باتجاه الأهداف المحددة ، وفي إطار المعايير العلمية السليمة .
- تحديد رؤية تطويرية واضحة لمجموعة الأنظمة واللوائح والقواعد المؤثرة على أوضاع وعمليات الجهاز الإداري للدولة ، وبحيث يكون تجديدها أو تحديثها متوافقاً مع إمكانيات التطبيق ، ونابعاً من تفهم عميق للمعوقات الموجبة لتطويرها.
- تبنّي التنظيمات الإدارية القادرة على ممارسة الوظائف الإدارية الحيوية على المستوى الوطني ، وفي مقدمتها وظائف التخطيط الشامل ، المتابعة وتقييم الأداء ، التطوير والتنمية للأفراد والنظم والأساليب .
- رسم سياسة شاملة لتكوين القوى العاملة الوطنية وحقيقة احتياجات الأجهزة من الأفراد نوعاً وكماً على الأمد البعيد ، مع ضرورة استخدام معايير موضوعية في تقرير حجم العمالة بعيداً عن المجاملات الاجتماعية والسياسية بشأن التوظيف ، والتي عادة ما تنتج موقفاً غير اقتصادي حيث يتراكم الأفراد في أجهزة الدولة بشكل لا يتلاءم ولا يتعادل مع احتياجات العمل الفعلية ، الأمر الذي يرفع التكلفة ويؤدي إلى انهيار كفاءة الأداء .
- ضبط مسار الإجراءات الإدارية والمالية والفنية للنشاطات الحكومية بحيث تكون متناسبة مع معايير الأداء المحددة ومتوافقة مع الأهداف المقررة . ومن الأجدى هنا التوفيق بين اعتبارين أساسيين ، هما : توحيد القواعد العامة والإجراءات الرئيسية بقدر المستطاع ، وتوخي الواقعية والمرونة بما يحقق الملائمة بين القواعد والإجراءات من ناحية ، وبين ظروف كل جهاز أو وحدة إدارية من ناحية أخرى .
- تدعيم قنوات الاتصال فيما بين الأجزاء الحكومية ، وتأمين تدفق المعلومات فيما بينها بدرجات متناسبة مع متطلبات الأداء "التعاوني" المتكامل .
- تدعيم قنوات الاتصال بين الأجهزة الحكومية والمجتمع ، وتأمين استجابتها لاحتياجات وتطلعات المجتمع من خلال الخدمات التي تقدمها والعمل المتواصل على تنمية العلاقات المتبادلة بينهما .
التاريخ - 2015-06-19 4:32 PM المشاهدات 794
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا