سورية الحدث - زيادغصن
ثمة مفارقة عجيبة في تصرفاتنا، تجعلنا نبدو أحياناً كأشخاص مزدوجي الشخصية!
لا أقصد هنا السلوك الشخصي لكل منا، فالظروف الحالية جعلتنا نتحدث مع أنفسنا كالمجانين، ولكن ما أقصده يتعلق بموقفنا كمواطنين من بعض قضايا الشأن العام.
بتبسيط أكثر...
هناك إجراءات كثيرة نطالب منذ عدة سنوات المؤسسات الحكومية المعنية بتنفيذها، لا بل والتشدد بذلك، وعندما تتحرك جهة حكومية ما في هذا الاتجاه نتعاطف مع الطرف الآخر... وننحاز له !
فمثلاً...
ليس هناك شخص إلا ويطالب وزارة المالية بالعمل على إعادة النظر بالضرائب المفروضة على الشركات والمنشآت بمختلف قطاعاتها واستيفاء ضرائب حقيقية على أرباحها، لكن عندما أعلن وزير المالية أن المتهرب ضريبياً سيواجه عقوبة مشابهة لتلك المفروضة على عمليات غسيل الأموال قامت الدنيا ولم تقعد!
كذلك الأمر بالنسبة للجمارك، التي تتهم بالتقصير في مكافحة التهريب بمختلف أشكاله، لكن عندما تقوم دوريات المكافحة بمداهمة بعض المنشآت وتنظيم ضبوط بالسلع المهربة نتعاطف مع أصحاب المنشآت والمحلات ونتهم الدوريات بالظلم!
هذه الحالة موجودة أيضاً حتى عندما يقوم شرطي مرور بتحرير مخالفة بحق سائق سرفيس لسرعته الجنونية، آنذاك يتعاطف ركاب السرفيس مع السائق رغم أن سلوكه كان يهدد حياتهم!
وهناك أمثلة أخرى كثيرة...
ماذا يمكن أن نسمي ذلك؟ هل هو تعاطف يفرضه المزاج الشعبي؟ أم هو موقف معتاد جراء حالة عدم الثقة التي تميز حالياً علاقة المواطن بعمل مؤسسات حكومية معينة؟
ربما يتفق معي البعض أن هذا التناقض ليس وليد اللحظة، ولا يمكن أن يكون بسبب ما يجري تداوله من معلومات هنا أو هناك، قد تكون صحيحة أحياناً، وغير صحيحة أحياناً أخرى، فالأمر باعتقادي أعمق من ذلك، وهو نتيجة طبيعية لثلاث عوامل رئيسية مكملة لبعضها والبعض وهي:
-ثقة المواطن بوجود انتقائية في تطبيق القوانين والأنظمة والقرارات، فمثلاً هل كل المنشآت تدقع ما يتوجب عليها فعلاً من ضرائب سنوية؟ وهل جميع المكلفين يمكن أن يلاحقوا كما قد يلاحق صاحب محل صغير في حارة شعبية؟ وماذا عن السلع الكثيرة المهربة الموجودة في بعض الأسواق؟
-ثقة المواطن أن بعض الإجراءات على أهميتها وضرورتها، إلا أنها تستخدم من قبل بعض العاملين كبوابة لتحقيق مصالح غير مشروعة لهم هنا وهناك، وتالياً فإن المواطن يفضل الانحياز إلى الآخر، وهو يعلم أنه قد يكون مخالفاً للقانون، لكن المهم أن يقطع الطريق على فساد بعض العاملين.
-ثقة المواطن أنه جدوى من كل ذلك طالما أن هناك فساداً أكبر لا يعالج، ولا يستطيع أحد أن يقترب منه بدليل حجم الفساد الذي بات يحاصر لقمة عيش الناس، وانتشار ظاهرة الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، وتعديهم على حقوق الناس والدولة معاً.
والحل؟
هناك ضرورة لتبني سياسة من شأن تنفيذها تأمين دعم شعبي لعمل بعض الجهات والمؤسسات الحكومية. سياسة تقوم على الركائز التالية:
-استعادة ثقة المواطن بالمؤسسات التي من مهامها المحافظة على حقوق الدولة ومكافحة الفساد، وهذه خطوة تتطلب سلسلة من الإجراءات المدروسة، تبدأ بمحاسبة العاملين الفاسدين والتعامل بشفافية مع جميع الملفات والهواجس المطروحة شعبياً.
-استبعاد حالة الانتقائية أياً كان حجمها ونسبتها، والتركيز على معالجة الملفات التي يمكن أن تترك أثراً شعبياً ايجابياً مباشراً.
-إتاحة الوصول بسهولة إلى المعلومات أمام الباحثين والصحفيين بالنظر إلى تأثيرهم في توجهات الرأي العام ودورهم في إشاعة الحقيقة مقابل السيل الهائل من المعلومات غير الموثقة، والتي تنتشر كنار في الهشيم على شبكات التواصل الاجتماعي.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا