شبكة سورية الحدث


"العاقل" أول الواصلين لمرصد جبل الشيخ

"العاقل" أول الواصلين لمرصد جبل الشيخ


سورية الحدث  معين حمد العماطوري  


لا يمكن لكل من عاصر حرب تشرين التحريرية /1973/ أن ينسى كيف ُوضع العلم السوري على مرصد "جبل الشيخ" ، وأن ينسى أي بطل من أبطالها .
العميد "نايف العاقل" الحائز على وسام بطل الجمهورية كان واحداً من هؤلاء الأبطال الذين شاركوا بهذه الحرب، وهو واحد من الذين استطاعوا لقاء القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش".
ما إن تدخل مضافة العميد "نايف العاقل" ستشاهد صورته مع ذلك القائد، وإلى جانبها "وسام بطل الجمهورية"، ولعل ذلك يعتبر توثيقاً منه لكل زائريه والأجيال القادمة بشجاعته. 
عرف العميد "نايف العاقل" بطلاً فهو من تربى في مضافات الجبل واستفاد من دروس الثورة السورية الكبرى، وهو واحد ممن جسّدوا البطولة قولاً وفعلاً حينما رفع العلم السوري على مرصد "جبل الشيخ" وكان أول الواصلين إليه، والأهم أنه في كل مرة كان يأتي إلى قريته كان يزور المغفور له "سلطان باشا الأطرش" الذي فرح به عندما نال وسام بطل الجمهورية في حرب تشرين التحريرية، وكان يحب قريته وأهله فلا ينقطع عن زيارتهم أبداً، وهو متواضع يحب الناس ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم ويقوم بكل مايلزم لتأدية واجباته الاجتماعية مع الجميع، حتى بعد تقاعده تراه لا يترك الكتاب والمطالعة وهو محاور ثقافي مميز».
اللواء الطيار "مجيد الزغبي" الحاصل أيضاً على وسام بطل الجمهورية قال عنه: «كنا سويةً في معارك تشرين التحريرية، هو في الأرض وأنا في الجو، لكنه استطاع أن يحقق إنزالاً في احتلاله مرصد "جبل الشيخ"، لأنه أول من وصل إلى هناك ورفع العلم السوري، رغم ارتفاع المرصد وصعوبة الوصول إليه لكنه مع رفاقه المقالتين كانوا مؤهّلين جيداً للقتال، وقد ساعدتهم الروح المعنوية العالية لشجاعتهم، وقد كان "سلطان باشا الأطرش" يشعرنا بأهمية ما قمنا به، وقد فرح بنا كثيراً عندما تسلمنا وسام بطل الجمهورية من القائد الخالد "حافظ الأسد" وهي في الحقيقة لحظة لا تمحى من ذاكرة كل ضابط عشق تراب الوطن».
وتحدث العميد المتقاعد "نايف العاقل" فقال: «ولدت في قرية "أم الرمان" الواقعة جنوب محافظة السويداء عام 1949 ، وتلقيت علومي الأساسية في مدارسها، ثم تابعت دراسة المرحلتين الإعدادية والثانوية في بلدة "القريا"، وبعدها تقدمت إلي الكلية الحربية وتم قبولي فيها في بداية عام 1969، لأنني ومنذ صغري أهوى الحياة العسكرية، ورغبتي الجامحة الدخول إلى الكلية الحربية، خاصة وأنني تربيت في مضافات قريتي المشهورة بالأدب والشعر والثورة، فهي من قدمت للوطن المجاهد "حمد البربور"، وهي من قدمت للقضاء والأدب الأستاذ "عيسى عصفور"، وهي من عملت على التعايش الوطني، ومن استقطبت إليها الشخصيات التاريخية، فهي القادرة على صناعة شخصية لها مقوماتها الوطنية، لذلك كنت أطمح أن أكون واحداً ممن يشاركون في انتصارات سورية، ذلك لأنني تأثرت بثقافة وفكر المغفور له "سلطان باشا الأطرش"، وكنت كلما أتيت إلى قريتي أزوره .
درست في الكلية الحربية سنتين متتاليتين وجراء الأحداث في بداية السبعينات جعلت القيادة تتخذ قراراً بإنهاء مرحلة الدراسة قبل ثلاثة أشهر من نهايتها بشكل نظامي، وأثناء دراستي في الكلية جاءت لجنة عسكرية من القوات الخاصة، لتنتقي مجموعة من الضباط وإخضاعهم إلى دورات قاسية جداً في التدريب على القتال الليلي والنهاري ضمن كتيبة سميت "المغاوير"، إلا أننا لم ننه الدورة للمشاركة في القتال بأحداث "أيلول الأسود" بالأردن ، وعدنا في أواخر /1972/ إلى تدريباتنا التأهيلية في منطقة "الغاب" فخضعنا فيها لتدريبات قاسية جداً. لقد كان الشعور الوطني الذي نحمله قوياً فلم نسمح للتخاذل أو الملل أن يتسللا إلينا، لأننا كنا واثقين أن التخلي عن التدريب يعني الموت.
نتيجة التدريب القاسي واللياقة البدنية التي تميزنا، خاصة في القلاع المرتفعة عن سطح البحر أكثر من 2000 متر، أدركنا أن تلك القلاع تماثل "مرصد جبل الشيخ"، وفي عام/ 1973/ انتقلنا إلى منطقة "عرنه" الواقعة على الخط المحاذي للمرصد لاستكمال التدريب.
في الساعة الثانية بعد الظهر من يوم السادس من تشرين الأول 1973، قمنا بهجوم على المرصد وهو محصّن هندسياً بشكل مذهل ويرتفع أكثر من 2600 متر، ومؤلّف من ثلاث طوابق محفورة داخل الجبل أحدهما تحت الأرض واثنين فوق الأرض، وفي داخلهم أجهزة هامة ودقيقة، والتوجيهات كانت المحافظة على تلك الأجهزة، أما البناء فهو من الاسمنت المسلح المعد للمقاومة بشكل كبير، إضافة إلى وجود صخور كبيرة من البازلت وكانت محاذية للبناء، والأهم أن المسافة بين مرصد الصديق و "جبل الشيخ" ثلاثة كيلو متر، ولهذا تم تقسيمنا إلى مجموعات، وخلال أربع ساعات وصلنا إلى المرصد، بعد أن مهّد لنا الطيران السوري بالقصف الجوي. لقد كان المقاتل السوري يفضل حمل الذخيرة على الطعام».
عن أهمية احتلال المرصد أوضح "العاقل" قائلاً: «المرصد له ميزات عدة أهمها ساحته الواسعة التي تستطيع الحوامات الهبوط فيها لأنه مجهز لذلك، وهو محمي من أي قصف مدفعي خارجي، وهو نقطة تجسيسة هامة ليس على سورية فحسب بل على المنطقة كلها، وحين وصلت إلى المرصد كنت من المجموعة الأولى وأول الواصلين إليه فاستلّيت حربة من أحد المقاتلين الذين استشهدوا وهو برتبة رقيب أول وقطّعت أوصال العلم الإسرائيلي ووضعت العلم السوري مكانه، وكانت تلك اللحظات زمناً قياسياً بالنسبة لي لأن الوقت كان يداهمنا وكل تأخير يعني خسارة لنا، ثم قبضت على خمس وثلاثين جندياً إسرائيلياً من بينهم طبيب وضابط برتبة عقيد، وكل تلك العملية لم تتجاوز ثلاثين دقيقة، حتى تم السيطرة على المرصد بالكامل، وحصلنا على مجموعة من الوثائق، عندها شعرت أن أهالي قريتي سوف يفخرون بأبنهم "نايف" الذي كان أول الواصلين إلى المرصد، وشعرت أن ثقافة "سلطان باشا الأطرش" الوطنية والثورية التي تعلمتها في المضافات كانت سنداً وإرادة، وشعرت إن سورية بعلمها المرفوع وهو يرفرف قد حطم أسطورة العدو الذي لا يقهر، وفي اليوم الثالث قمنا بصد هجوم للعدو الإسرائيلي وأصبت في ذراعي وخاصرتي، طلبت من قائدي المباشر آنذاك إعطائي بندقية لأستكمل القتال بعد إصابتي إلا أنني جراحي كانت تتطلب إسعافي إلى المشفى، وبعد تماثلي للشفاء عدت إلى قطعتي العسكرية لأرى نفسي مع المقاتلين الذين نالوا وسام بطل الجمهورية، وهذا ما جعلني أحمل مسؤولية أكثر طوال خدمتي».

التاريخ - 2021-10-08 8:57 AM المشاهدات 2661

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا