شبكة سورية الحدث


أهم الدوافع التركية للتطبيع مع دمشق.

أهم الدوافع التركية للتطبيع مع دمشق.

سورية الحدث _ خاص  

بقلم: محمود موسى مصطفى 

يعتبر الدافع الأمني من أهم الدوافع لاستقرار تركيا دولة وشعباً، فلا يمكن لجيشها مهما بلغت قوته وتعداده ضبط الحدود الممتدة بين البلدين سوريا وتركيا والتي يبلغ طولها /911/كم، دون التنسيق الأمني والعسكري والسياسي مع دمشق، هذه القناعة وصلت متأخرة للقيادة التركية.

حيث سبق ونفذت القوات التركية أربع عمليات عسكرية في عمق الأراضي السورية خلال السنوات الماضية وهي: درع الفرات عام 2016م، وغصن الزيتون عام 2018م، ونبع السلام عام 2019م، ودرع الربيع 2020م، سيطرت فيها القوات التركية على مساحة /1850/كم2 في مناطق تضم حوالي 4.5 مليون سوري.

لم تحقق العمليات العسكرية المذكورة الأمن والأمان وتعيد الاستقرار لتركيا، ومازالت النزاعات العسكرية على الحدود وفي حدتها القتالية، والقوات التركية الغازية أصبحت أكثر عرضة للهجوم، وهدفاً لميليشيات الكردية الإرهابية كما تصنفها أنقرة، والتي تعتبرها خطراً على وحدة واستقرار الأراضي التركية، وهناك مخاوف وهواجس تركية من تشكيل كيان كردي مستقل في المنطقة الشمالية السورية، قد يمتد مستقبلاً للجنوب التركي مما يهدد بتغيير الخارطة السياسية والجغرافية لتركيا، وبذلك تتحقق أحلام وطموحات حزب العمال الكردستاني التركي PKK الذي تأسس وترعرع في الجنوب التركي.

تتفهم دول جوار تركيا لحالة القلق ومدى خطورة التهديدات الأمنية على تركيا، لذلك سمحت الدول الضامنة والمنبثقة عن مسار أستانة بالعمليات العسكرية التركية، مما حد من نفوذ تشكيل الكيان الكردي وقطع أوصاله في بعض المناطق، وفي قمة طهران المنعقدة في تموز الماضي وتلها لقاء سوتشي في شهر آب بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والتي كانت نتائجهما عدم انجراف تركيا بعملية عسكرية خامسة في الأراضي السورية، وإن تعيد تركيا إستراتيجيتها السياسية والعسكرية والأمنية مع دمشق، وهذا ما بادرت إليه أنقرة من خلال التصريحات السياسية على أكبر المستويات وإظهار حسن النوايا بالتعاون مع دمشق ومساعدتها في محاربة الإرهاب، وفعلاً تغيرات الإستراتيجية العسكرية التركية في حربها مع الميليشيات الكردية.

هذه التغيرات السياسية والعسكرية التركية تصب في مصلحة حزب العدالة والتنمية، والأخير مقبل على جولة جديدة من الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية في شهر حزيران 2023م، ويحتاج حزب الرئيس رجب طيب أرودغان في الأشهر القليلة القادمة إلى ترتيب نفسه وترتيب البيت التركي، ليحصل على النتائج المرجوة وخاصة بعد الشرخ الذي حصل به وخروج عمالقة ومخضرمين بالسياسة التركية من الحزب وتشكيل أحزاب معارضة، أمثال: رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أغلو، وعلي باباجان، وعبد الله غول، وعبد اللطيف شنر وغيرهم، وهذا سيكون فيه تحدي كبير للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، هذا من الناحية السياسية، ومن الناحية العسكرية تراجعت قوة الجيش التركي بعد الانقلاب الفاشل عام 2016م للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، مما اضطر الأخير لإقصاء أعداد كبيرة من العسكريين المعارضين والمتورطين في الانقلاب داخل الجيش، وكان الجيش التركي في الترتيب التاسع عالمياً، وبعد الانقلاب الفاشل تراجع ترتيبه إلى المرتبة الحادي عشر، حسب إحصائيات عام 2022م، لموقع غلوبال فابربور المختص بهذا الشأن، وأثرت المعارك والنزاعات الحدودية مع سوريا والعراق على الجيش التركي وفقد الكثير من جنوده في ساحات القتال.

والدافع الثاني لتطبيع العلاقات مع سوريا وعودتها كما كانت عليه سابقاً قبل الأزمة السورية عام 2001م هو الدافع الاقتصادي، حيث تعاني تركيا من أزمة اقتصادية خانقة وتدهور في العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وذلك على خلفيات الأزمات التي داهمت المنطقة بأكملها وأثرت على أكثر دول العالم، ومنها قضية اللاجئين السوريين والعمليات العسكرية على حدود العراق وسوريا، وانتشار وباء كورونا، والحرب الأوكرانية، كل هذه الأزمات أثرت على الاقتصاد التركي وانعكست سلبياً على حياة الناس، لذلك هناك ضغوطات على الحكومة التركية من المعارضة ومن الشارع التركي ومن التجار ورجال الأعمال، تطالب الحكومة بإعادة النظر بسياستها الاقتصادية مع دول الجوار وعودة العلاقات الطبيعية مع سورية كما كانت عليه سابقاً قبل الأزمة السورية عام 2011م، لتعود وتزدهر تجارتهم الرابحة مع نظائرهم السوريين مما يعود بالمنفعة والفائدة على الجميع، حيث كان التبادل التجاري مزدهراً وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى سورية حوالي /1.85/ مليار دولاراً في حين بلغت قيمة الواردات /663/ مليون دولاراً، وكما أن هناك أضراراً كبيرة في قطاع السياحة والثقافة والإعلام وغير ذلك.

ويأتي الدافع التركي الثالث للتطبيع مع دمشق، والذي تنتظره الشركات التركية وكبار رجال الأعمال هو انطلاق عجلة إعادة الإعمار في سورية، فمن الطبيعي من يصل إلى دمشق أولاً ستكون له الحصة الأكبر بالبناء والإنتاج وكسب الأموال الطائلة، وتركيا بلد حدودي ومتوفر لديه كل الإمكانيات البشرية والفنية والتقنية واليد العاملة والمال والخبرة الجيدة في هذا المضمار.

وأخيراً كل هذه الدوافع تحتاج لتحقيقها تنازلات تركية قد تكون مؤلمة، ولكنها تحتاج لقرار سياسي جريء، لطي صفحة الماضي والنظر للمستقبل بما فيه منفعة للبلدين سوريا وتركيا وللأجيال القادمة.

 

التاريخ - 2022-08-25 7:27 PM المشاهدات 752

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا