سورية الحدث الإخبارية – السويداء- معين حمد العماطوري
حملت الأزمة السورية التي ظن الكثير أنها اقتصادية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، دون دراسة عوامل ومضامين عدة داخلية وخارجية، حيث أفرزت منظومة جديدة من رجالات الدين والفكر والسياسة والثقافة، ساهموا بنقلها إلى واقع لا تحمد عقباه، وساهموا في توسع تداعيات الأزمة وشلوا مناح الحياة كافة، حتى بات انهيار الذات قاب قوسين أو أدنى على حد قول بعض المحللين السياسيين، ولعل الازمة كشفت غطاء القناع الأسود وأزالت (مكياج) بعض المثقفين عن حقيقة أفعالهم وأعمالهم وهم الذين استبدوا الساحة الثقافية بحضورهم واستغلوا المنابر وقدموا كتباً ومقالات ودراسات بالتنوير، والعلمانية، والديمقراطية وكيفية توزيع الثروات، ومفهوم الحريات وغيرها بما يخدم مصالحهم، ونالوا ما نالوه من مراتب اجتماعية ورسمية وجوائز مادية ومعنوية على حساب مواهب فنية كانت الأجدر لو قيض لها ما قيض لهم، وربما كانوا قد ساهموا في الحد من الازمة، ولكنهم عملوا على تثبيط العقول والمفاهيم ان أفكارهم وفسادهم أوسع نطاق من مقاومته، واستوقفنا زمنا على مثالياتهم ولغتهم الثقافية وقدرتهم على الاستقطاب الفيزيائي للمتلقي ومواقفهم المضمرة بخبث التفاهة، ظناً منا أنهم المنقذون عبر مؤلفاتهم ودراساتهم وبحوثهم التي من شأنها إغناء المكتبة العربية، لكنها وللأسف أصبحت في جعبة الدولار تختزن ذاتها وتروج له على حساب المناخ السوري وتاريخه العريق، خاصة بعد نكران ذاتهم وبيتهم الذي تربوا فيه، وباتوا رهائن للفتاوى الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية داخليا...وبعضهم انغمسوا بالعمالة الخارجية...
لعل الساحة اليوم تغص بفئات متعددة، منهم وباتوا أدوات فعالة بنشر الفساد بأنواعه وأصبحوا ينظرون بالإصلاح وحل الأزمة على حساب الدم السوري وقوته، وهم الذين نهبوا مقدرات البلد وثرواتها وما زالوا ينظرون بإقناع المجتمع وأفراده انهم الافضل وهم اليوم بلا موقف ثابت يستطيعون التغيير في اللحظة الواحدة عشرات المرات بما يخدم استعراضاتهم الكاذبة، ومنهم من تخلوا عن مبادئهم التنويرية والثقافية بعد خوضهم عقود في ظلمة السجون، ليكونوا بعد خروجهم أدوات في أيدي الخارج ومرتهنين لهم بآرائهم واضعين سنوات نضالهم في حقيبة مهترئة ناكرين مغبة الوقوف الشعبي معهم وتكوين صورة أنهم الوطنيون المدافعون عن حقوق الشعب السوري داخل وطنهم...ومنهم اليوم من يستعرض بقصد إظهار ذاتهم على حساب تاريخ وحضارة وتراث وموروث دون حساب لثقافتهم بل هم على استعداد بيع تاريخهم وكرامتهم مقابل حفنة من الليرات السورية الفاقد قيمتها الشرائية، حتى باتوا عالة على الثقافة والمثقفين...وحجتهم السياسة فن الممكن...
وثمة غرابة موحشة على حد قول الجاحظ في كتابه الحيوان "إذا استوحش الإنسان تمثل له الشيء الصغير في صورة الكبير، وارتاب، وتفرق ذهنه، وانتقصت أخلاطه، فرأى ما لا يُرى، وسمع ما لا يُسمع، وتوهم على الشيء اليسير الحقير، أنه عظيم جليل"..
رغم الاختلاف بين الفكري والثقافي فيما بينهم، يجلسون على طاولة واحدة في الخارج، بعد أن قدمت لهم سورية وشعبها ومحبي الثقافة القلب الدافئ، ولا أقول السلطة السياسية، بل المناخ الثقافي التقدمي التي تفخر بها سورية عبر تاريخها، إلا أن ردهم كان تجاهل التاريخ، وجعله هباءً منثورة، بقليل من الإغراءات وحفنة من الدولارات وقناعة مفبركة، على حساب الانتماء الوطني، أتستحق سورية من أبنائها هكذا ؟!...
سورية التي قدمت ثقافة البطولة والمقاومة وجعلت رجالاتها منارة ثورية في صفحات التاريخ، سورية التي عدت أنها أم صبي، للقضايا العربية أتستحق أن تكافأ من أولادها بدخول أجنبي وتدنيس ترابها؟!. بعد أن دفعت دماء أجدادهم لاستقلالها في الماضي وطرحت شعاراً قومياً وطنياً ما زالت الدول العظمى تتمثل به "الدين لله والوطن للجميع".
أليس من حقها وكرمى لعيونها، أن يجلس كافة الأطراف المتنازعة على طاولة الحوار الوطني الشامل ويتخذوا من سورية والحفاظ عليها من الشمال إلى الجنوب ومن شرقها إلى غربها هدفاً لهم، وقاسم مشترك بينهم تحت مظلتها وعلى ترابها ؟!...
أليس من حق الأم التي قدمت أبجدية الثقافة، واحتضنت الديانات السماوية، وعرفت العالم معنى الأدب والفكر، أن يكون أبناؤها على قدر من المسؤولية اتجاه ما يحدق بها من عدائيات الغرب لتمزيقها وتفتيتها ؟!... حتى للأسف أبنائها أيديهم ملطخة بدماء التفتيت ومؤسساتها أدوات التشظي..
سورية التي أسمت أحياء بين ياسمينها لشعوب سكنت أرضها ودافعت عنهم وحامت ثوارهم، وقدمت لهم قادة ثوريين، أيكون رد جميلها وقفة تلك الشعوب وقادتهم معها في لحظة تاريخية، التصويت ضد أنهاء أزمتها وبقاء الشعب يعيش تحت خط الفقر من الجوع والقهر والإذلال؟!.
إن جرح سورية الدامي، من الداخل والخارج، أشعرها كم هي أم رؤوم، وقلب مفعم بالحب لقوميتها العربية، لكن المستعربين، وهم أبناء المرأة العروب، نكروا لها قيمتها أمام الإغراءات وباعوا ضمائرهم قبل عقولهم لمن سفك دمهم، باتفاقيات وهمية تزول بزوال المصالح الرخيصة.
ألم يعلموا المثقفون والسياسيون العرب إن ما حدث في جنوب السودان، وتونس، واليمن، وليبيا، والعراق، ولبنان، وفلسطين، ومصر، صناعة اياديها متنوعة داخلياً المبتزين والفاسدين والمفسدين وخارجياً أمريكية صهيونية بتمويل عربي، ويخطأ من يظن أنهما بعيدين عن تلك الجائحة، لكن السؤال لمن ولمصلحة من إضعاف وإنهاك الشعب ومقدرات الوطن.
لعلنا اليوم نقف أمام مفترق طرق فيه أفرع عديدة يحمل خطوط للوصول لهدف واحد ومصلحة منفردة في ذاتية مظلمة بين وحشية الدولار وغرابة المفهوم، وفضاء اليقين الواثق شكل لوناً مضيئاً في فكر وعقل المجتمع وأفراده أن سورية بمكوناتها السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والدينية والثقافية قد فقدت رموزها الإبداعية والاجتماعية والدينية والسياسية والفكرية، يقيناً منها أن هذا الزمن هو سقوط الأقنعة وانهيار الرموز.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا