السياسة بين العلم والممارسة

خاص - بقلم عبد العزيز عكل السياسة بين العلم و الممارسة يجمع غالبية المفكرين والباحثين بأن السياسة علم، بل علم وفن يتوجب دراسة قوانينها وطرائق عملها، وبالتالي تطبيق تلك الدراسات على الواقع الموضوعي، ولكننا نعلم أن أي علم يحتاج إلى موضوع كوني ينشغل فيه العقل دراسةً وتجربةً وممارسةً وإنتاجاً وتطويراً وإبداعاً... أما موضوع السياسة فهو السيادة، وهذه السيادة ليس لها وجود مادي في الواقع، بل هي واحدة من عناصر الكون أو الوجود المعنوية التي يحاول الإنسان أن يتماهى مع الله فيها بالتشبه به وجوداً ومقدرةً وسلطةً وخلوداً وأبدية، في تعبيرٍ فجٍ عن عقدة الخلود المكتوبة في لا وعي الإنسان، والتي يحاول أن يعبر عنها بتجلياتٍ وممارساتٍ كثيرة ولعل أبرزها السيادة... لذلك يتضح أن السياسة ليست علماً بل هي ممارسة واعية لعقدة في اللاوعي جوهرها التألُّه والخلود، لذلك فليس غريباً أن نسمع عن الفرعون الإله، أو الذي قال أنا الدولة و أنا الأمة و أنا الشعب... أمثلةٌ كثيرة لا يمكن حصرها في هذه السطور، وطالما أن السياسة ليست علماً فهي جهل... والجهل لا يكون إلا في الإنسان فقط ، لأن سلوكه محكوم بالعلم والجهل، ولكن كيف تكون السياسة كذلك ويمارسها صناع التاريخ، الأمراء والملوك والأباطرة والأكاسرة والخلفاء والقواد والرؤساء وأصحاب الفخامة والجلالة والسيادة والنيافة ؟!... هل يمكن أن تكون السياسة جهل ويمارسها هذا الحشد من النخبة عبر العصور؟!.. أقول نعم قول العارف والمشاهد والمعايش والمعاني... وهذا الكلام لا يختص بزمانٍ أو مكانٍ معينين فهو يَحكي عن كل التاريخ وكل الجغرافيا، لأن الحال واحد مع فروقات بسيطة في الأشكال أحياناً وليس بالمضامين والجوهر، بل على العكس تماماً فإن خيرة دهاة التاريخ وحصفائهم هم الساسة الكبار، والحديث عن الجهل هنا لا يعني عدم الفهم أو سوء التقدير أو الحمق، بل هو أسلوب توجيه فعاليات العقل باتجاه تحقيق المصالح الخاصة بالسيادة، والتي تؤدي إلى استخدام الأساليب اللا أخلاقية للوصول إلى ذلك الهدف... والجهل هنا سوء الفهم وسوء التصرف وسوء الرؤية البعيدة عن قصد. أما جل الجاهل هو سمة إنسانية إذا ما تأصلت في الإنسان حطته إلى مصاف البهائم جوهراً ومضموناً..  وهذا ما يميز من يمارس الجهل من الساسة عن الجاهل رغم مظاهر العظمة والأبهة الخداعة التي يحيط بها رجال السياسة أنفسهم...